22 July 2009

مصر و مشكلة مياه النيل


فى تقرير خطير اختص به ( الشروق ) ينذر الدكتور رشدى سعيد عالم الجيولوجيا الشهير القيادات السياسية والمسئولين فى وزارات الزراعة والرى والمرافق، والرأى العام بصيف شديد السخونة، وذلك لأنه ابتداء من الصيف الحالى سوف تستخدم السودان حصتها المتفق عليها مع مصر عام 1959 من مياه النيل بالكامل، ويعنى ذلك فقدان مصر مالا يقل عن ثمانية مليارات من الأمتار المكعبة من المياه سنويا، ويرجح الدكتور سعيد أن تستمر هذه الأزمة لمدة عشرين عاما.

ويشرح رشدى سعيد أسباب هذا الموقف الخطير الذى تواجهه مصر لأول مرة فى تاريخها، فيقول: إن الصيف الحالى هو أول صيف تشهده البلاد بعد التشغيل الكامل لسد مروى الذى أقامته السودان على نهر النيل عند الجندل الرابع بمنطقة النوبة وافتتحته فى ربيع هذا العام، وذلك لتوليد الطاقة الكهربائية فى الأساس، بما أنه لا توجد أرض كثيرة تصلح للزراعة يمكن أن توجه مياهه إليها ــ إذ إن أمر تشغيل هذا الخزان لتوليد الكهرباء سيحتاج إلى ملئه بالمياه ــ الأمر الذى يتطلب حجز المياه أمامه لسنوات طوال قد تصل إلى العشرين حتى يمتلئ، وتقدر سعة خزان سد مروى بنحو مائة وعشرة مليارات متر مكعب، إذ من المقرر له أن يمتد لمسافة 170 كيلو مترا إلى الجنوب، وحتى قرابة مدينة أبوحمد، وأن يرتفع منسوب المياه فيه إلى 67 مترا.

وبدءا من هذا الصيف سيقوم السودان ولأول مرة بحجز نصيبه من مياه النيل كاملا، والتى كانت قد تقررت له سنة 1959، ومقدارها 18.5 مليار متر مكعب من المياه. ولما كانت قدرة السودان التخزينية للمياه عند إبرام الاتفاقية وحتى بناء سد مروى قليلة، فقد كانت المياه الفائضة من حصة السودان، تترك لتنساب إلى مصر كحصة إضافية مؤقتة، وقد زادت قدرة التخزين فى السودان ــ قبل بناء سد مروى ــ قليلا بتعلية سد الروصيرص فى تسعينيات القرن الماضى، دون استشارة مصر، بسبب التواترات السياسية آنذاك.

ويبدو أن مصر دبرت أمورها على أن هذه الحصة الإضافية من المياه ستكون دائمة أو أنها ستستمر لسنوات طوال، لأن صانعى القرار فى مصر اعتقدوا أنه سيكون من الصعب على السودان وهو فى حالته الاقتصادية والسياسية ــ التى كان عليها ــ أن يتمكن من بناء الخزانات الكبيرة ذات الكلفة العالية. وهكذا أسرعت مصر فى فى مد الترع وأنابيب المياه والتى كان آخرها القناة المخطط شقها لتزويد طريق القاهرة ــ الإسكندرية الصحراوى بمياه النيل بعد أن نضبت مياهه الجوفية، والتى أبرمت مصر بشأنها اتفاقا مع البنك الدولى فى عام 2008 لتمويلها.

وجاء اكتشاف النفط فى السودان والبدء فى تنمية حقوله واستخراجه وتصديره بدءا من عام 1999 ليقلب الأمور رأسا على عقب، وليجعل للسودان مصداقية فى عالم المال وليجذب الاستثمار فى بناء سد مروى، الذى قدرت تكاليفه بمبلغ ثمانمائة مليون يورو، جاء 30٪ منها من بنك الصين للاستيراد والتصدير، وجاء الباقى من الصناديق العربية للتنمية «العربى والسعودى وعمان وأبوظبى والكويت». وها هو السد وقد تم بناؤه ليضع مصر فى وضع جديد.

يؤكد الدكتور رشدى سعيد، أنه لا يعرف إن كانت مصر قد دبرت أمورها فى هذا الشأن أم لا؟ وما هذه التدبيرات إن كان لها وجود ؟ ويضيف: كل ما أستطيع أن أقوله هو أن كل البيانات التى جاءت فى هذا التقرير مستمدة من مصادر خارج الحكومة المصرية، ذلك لأننى لم أستطع الحصول على بيانات من الحكومة المصرية أو من وزارة الرى والموارد المائية التى امتنعت عن نشر أى بيانات تخص نهر النيل منذ سنوات طوال بعد أن توقف إصدار موسوعة النيل التى كانت تصدرها الوزارة عبر سنوات القرن العشرين. كما أن موقع الوزارة على شبكة الإنترنت خال من البيانات المفيدة ولم يتم تجديده منذ مدة طويلة.


اعتبر دكتور سامر المفتى الأمين العام الأسبق لمركز بحوث صحراء مشروع ممر التنمية الذى اقترحه عالم الجيولوجيا العالمى فاروق الباز «حلما لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع لعدة أسباب يفهمها من يعرف الصحراء الغربية جيدا»، مشيرا إلى أن الفكرة فى البداية كانت مجرد طريق قام بعرضها فى مقال بجريدة الأهرام اجتمع بعدها مجلس الوزراء لدراسة جدواه.

وأوضح المفتى ــ خلال ندوة بعنوان إدارة المصادر المائية فى عهد التغيرات المناخية بساقية الصاوى أمس الأول ــ أن الباز اختار الطريق الذى أطلق عليه «ممر التنمية» فوق الهضبة، ما يجعله بعيدا عن الموارد المائية.

وأضاف أنه فى الوقت الذى يتم فيه مهاجمة مشروع توشكى الذى تكلف 10 مليارات جنيه «كسرت وسط موازنة الدولة» فإن مشروع ممر التنمية تصل تكلفته إلى 300 مليار جنيه يعتمد فيها على المستثمرين العرب والأجانب، ما يعد بمثابة «تقسيم مصر إلى نصفين أحدهما فى أيدى القطاع الخاص لا يستفيد منه الأغلبية من الشعب».

وحذر المفتى من أن أوضاع مصر المائية حرجة للغاية بدون أى تدخلات أو تأثيرات مباشرة للاحتباس الحرارى ومن ثم التغيرات المناخية، وهو ما يحتاج إلى سياسات مختلفة تماما وتغيير جذرى فى الفكر للتعامل مع هذه الأوضاع التى أهم ما يميزها نسبة الفقد الكبيرة للغاية فى مواردنا المائية والتى قد تتجاوز 50% فى بعض التقديرات.

ووصف المفتى التعامل مع المياه الجوفية بأنه «تجاوز حدَّ السفه إلى الجريمة المتعمدة مقابل ربح محدود، فعندما تدخل تراكيب محصولية استوائية فى أكثر صحراوات العالم قحولة، مثل الأرز فى الوادى الجديد، والموز فى طريق مصر الإسكندرية ــ الصحراوى فلا نقول إلا: حسبنا الله ونعم الوكيل».

وأوضح أن مصر على مستوى التقسيم الدولى لدول الحزام القاحل هى دولة الصحراء الأولى فى العالم، حسب الدراسة التى أعلنتها منظمة اليونسكو عام 1953 التى قسمت الحزام القاحل إلى ثلاثة مستويات وفق معدلات سقوط الأمطار إلى مناطق شديدة القحولة والتى تتلقى معدلات أمطار تقل عن 100مم على المتر المربع سنويا، وتمثل 86٪ من مساحة مصر مقابل 7ر0٪ على مستوى العالم كله، بينما يمثل المستوى الثانى المناطق القاحلة التى تتلقى أمطار أقل من 250مم على المتر المربع وتشكل 14٪ من مساحة مصر.

وأشار إلى أن معدل الأمطار التى تسقط على مصر سنويا لا تتجاوز 10مم على المتر المربع وهو أقل معدل لأى دولة فى العالم، مؤكدا أن مصر تجاوزت حد الفقر المائى، حيث انخفضت حصة الفرد فى ماء النيل من 1000 متر مكعب سنويا إلى 650 مترا مكعبا ومعدلات الهبوط يومية.

وحول تأثير التغيرات المناخية على موارد مصر المائية أوضح المفتى أن التقديرات الدولية تشير إلى عدة سيناريوهات تبدأ باحتمال نقص موارد النهر نتيجة لتحرك أحزمة الأمطار من فوق الهضبة الأثيوبية والتى تمثل 85% من موارد مصر من النهر، والهضبة الاستوائية التى تمثل 15% من الموارد المصرية.

ولفت إلى أن تقديرات هذا التأثير تبدأ بنقص بنسبة 76% وتصل التنبؤات فى حدها الأقصى إلى زيادة قدرها 30%، موضحا أن النقصان أيا ما بلغت نسبته سوف يؤدى إلى كوارث لأن احتياجات وادى النيل الحالية تعانى من عجز قدره 9 مليارات متر مكعب «ولا قبل لنا بمزيد من العجز»، وهو ما يشير إلى أهمية تدارك الإسراف فى استخدامات المياه من حيث كميتها والتركيب المحصولى المناسب لترشيد استخدام المياه.

ومن جانبه، أكد الخبير الأمريكى مارك ستون الباحث بقسم العلوم الهيدرولوجية بمعهد بحوث الصحراء فى لاس فيجاس بولاية نيفادا الأمريكية ضرورة أن تنظر مصر إلى تحقيق الأمن الغذائى وعدم الاعتماد على استيراد مواردها الغذائية من الدول الأخرى، موضحا أنه فى ظل التغيرات المناخية المتطورة واحتمالات الفياضات والجفاف المتزايدة ستكون الأولوية لهذه الدول المصدرة هى سد حاجة شعوبها أولا.

*****
منقول من جريدة الشروق 1 2
صورة لنهر النيل