05 July 2013

كليات القمة والنشاط الإرهابي


كتب «ساجمان» بعد تفرغه لمهنته كطبيب نفسي في مجال الطب الشرعي وبعد قراءة ما يقارب 9000 صفحة تتضمن كما هائلا من المعلومات عن حياة هؤلاء المتهمين بممارسة العمليات الإرهابية، بالإضافة إلى حوالي 400 سيرة حياة ذاتية تفصيلية لهم ، أسفر تحليله الرقمي لتلك البيانات عن عددمن النتائج الهامة :

إن ثلاثة أرباع أفراد العينة ينحدرون من الطبقات المتوسطة فيما فوقها، و 90% منهم نشأوا في رعاية أسر متماسكة و 63% التحقوا بكليات جامعية وانهم يعتبرون من خيرة أبناء تلك المجتمعات ممن بعثت بهم أسرهم لاستكمال دراستهم بالخارج ومن ثم فإنهم يتقنون الحديث بعدة لغات وان غالبيتهم التحقت بمنظمة القاعدة وهم في السادسة والعشرين أي في قمة نضجهم النفسي والعقلي .

وعلى مستوى التعليم والعمل فإن ثلاثة أرباع العينة مهنيون يعملون في مجالات الهندسة الميكانيكية والمدنية والمعمارية ؛ أي أن غالبيتهم علماء وقلة منهم من المتخصصين في الإنسانيات، وقلة نادرة من هؤلاء من المتخصصين في الدراسات الدينية حيث أن 13% فحسب تلقوا تعليمهم الأولي في مدارس دينية بينما تحتل العلوم الطبيعية قمة التخصصات حتى بين القادة .

لقد توقف «سيجمان» عند حدود رصد انتماء غالبية هؤلاء ولم يمض لمحاولة تفسير ذلك التناقض الواضح وقد حاولت تفسير ذلك حين لاحظت أن الغالبية العظمى ممن اجتذبهم النشاط الإرهابي في بلادنا كانوا من دارسي تخصصات كليات القمة . وقد أرجعت اختيارهم طريق الإرهاب إلى حقيقة أن إعداد طلاب التخصصات العلمية لا يتضمن طيلة سنوات تعليمهم من مرحلة الحضانة إلى مرحلة الدراسات العليا مقررا دراسيا واحدا يتعلق بالمنطق أو الفلسفة أو تاريخ الفكر أو ما إلى ذلك من موضعات تحمل شبهة تعليم المنهج العلمي أو الإشارة إلى نسبية الحقيقة .

وكان طبيعيا والأمر كذلك أن ترسخ لدى هؤلاء الأبناء عقيدة مؤداها أن التفكير لا يحتاج إلى تعليم وأن تمحيص الأفكار لا يحتاج إلى تدريب وأنه يكفي للتسليم بصواب فكرة معينة أن تبدو منطقية أو أن تصدر عن مصدر ثقة أو أن تتفق مع مشاهدات واقعية أو أن تكون متكررة لزمن طويل . ولذلك فإنه مما يستلفت النظر حقا أن قوائم قيادات وممارسي الإرهاب تكاد تخلو تماما من أبناء التعليم الأزهري ربما باستثناء الشيخ عمر عبد الرحمن . ترى لماذا إذن لم يجتذبهم ذلك الفكر الديني المتطرف وهم الأكثر إتقانا لمفرداته والأكثر ألفة بجذوره والأكثر مصداقية إذا ما صدر عنهم ؟

ترى لماذا لم يخرج من بين صفوفهم مثلا الدكتور أيمن الظواهري خريج كلية طب جامعة عين شمس وصاحب كتاب الولاء والبراء الذي استهوى حسن بشندي طالب هندسة الزقازيق وصاحب جريمة الأزهر الإرهابية عام 2005 .

لقد كان التفسير الذي توصلت إليه آنذاك هو آن طالب الأزهر منذ البداية الأولى لتعليمه الأزهري يعتاد سماع أساتذته خلال عرضهم لآراء المذاهب المختلفة حول قضية مطروحة مبينين الراي الذي يرونه أقرب إلى الصواب مختتمين حديثهمبتلك العيارة بالغة الدلالة «والله أعلم» ومع مضي السنوات يصبح ذلك التعبير ضمن مفردات طالبنا الأزهري بحيث لا يزعجه اختلاف الاجتهادات ما دامت لم تتجاوز حدود اليقين الذي يلتزم به أو بعبارة أخرى فإنه يجد يقينه متسعا ولو بمقدار لتباين وجهات النظر ويظل متمسكا حتى النهاية بأن «الله أعلم» .

لقد أتيح لي قراءة كتاب الدكتور أيمن الظواهري المشار إليه وافتقدت بشدة تعبير "الله أعلم" الذي لم يرد سوى مرات ثلاثة على وجه التحديد ضمن كلمات الكتاب التي تجاوزت إحدى عشر الف كلمة (11165 كلمة) وقد ورد التعبير في المرات الثلاث الاستثنائية ضمن نصوص لابن كثير والشافعي ثم على سبيل التصحيح لعبارة وردت كتاب المحلى، أما فيما عدا ذلك فالأحكام والتفسيرات قطعية يقينة مطلقة .

خلاصة القول : أن ما كان يظنه غالبية الناس من أن الإرهابيون ينحدون من أسر مفككة، وبيئات فقيرة يسودها الجهل، يعجزون عن تحمل المسئوليات المهنية أو الأسرية، ذوي شخصيات ضعيفة مريضة يسهل التأثير عليها؛ لم يعد صحيحا على الإطلاق من وجهة النظر العلمية .

منقول من - فكر القاعدة .. روافد القبول وإمكانات الانتشار - للدكتور قدري حفني .. المسبار ، كتاب شهري يصدر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث ، العدد 24 ، ديسمبر 2008 ، ص 113 : 135