27 October 2007

البعيد عن العين

وهذا ما دونته ماريا فى يومياتها عشية قررت ان تشترى تذكرة العودة :
" كان ما كان , كان عصفور له جناحان رائعان بريشات براقة والوان رائعة . كان مخلوقآ ليحلق فى سماء الحرية , ويدخل السرور على قلوب هؤلاء الذين يراقبون تحليقه

ذات يوم , رأت أمراة هذا العصفور وفتنت به . شاهدته يطير مندهشة حتى حدود الانبهار , وقلبها يخفق بجنون , وعيناها تلتمعان من شدة الانفعال . دعاها العصفور لمرافقته . وطار معآ وهما فى كامل الانسجام . كانت متيمة بالعصفور , تحتفى بجمالة طوال الوقت .

لكن المرأة فكرت ذات يوم " ترى هل يتوق الى اكتشاف جبال بعيدة ؟ خافت , خافت أن يرحل والا تقع فى الحب مرة ثانية , احست بالغيرة , غارت من قدرة العصفور على الطيران

أحست انها وحيدة

فكرت فى المرة المقبلة , حين يظهر العصفور سأنصب له فخ وهكذا لن يتمكن من الطيران مجدداً .

عاد العصفور , الذى كان هو آيضاً مفتونآ بها , لرؤيتها فى اليوم التالى , فوقع فى الفخ واحتبسته فى قفص .

كل يوم , كانت المرأة تراقبه بشغف وتعرضه أمام صديقاتها فيهتفن , ما أسعدك وما أوفر حظك ! ومع ذلك , بدأت الامور تتغير بشكل غريب , بما ان العصفور صار ملكها ولم تعد بحاجة لان تعمل على كسب وده , لم تعد المرأة تهتم به . والطائر الذى لم يعد فى امكانه التحليق والتعبير عن معنى لحياته , بدأ ريشه يذبل ويفقد بريقه , ويتحول جماله الى قبح . ولم تعد المرأة توليه اى اهتمام , بل اقتصرت عنايتها به على اطعامه وتنظيف قفصه

وذات يوم , مات العصفور , فحزنت المرأة للغاية , ولم تكف عن التفكير فيه . لكنها لم تكن تتذكر قط القفص . تذكرت فقط اليوم الذى لمحته فيه لأول مرة , وهو يطير بعيدى محلقى فوق الغيوم

لو انها استجابت لدوافع مشاعرها كما ينبغى , لأدركت ان الشئ الذى اثار انفعالها عندما التقت العصفور كان حريته , والطاقة الكامنة فى جناحيه , وليس حسن شكله الخارجى
فقدت حياتها معناها عندما فقدت العصفور . وجاء الموت يقرع بابها .

سألت المرأة الموت :
- لم جئت .
فأجاب :
-لكى تتمكنى من الطيران معه مجددآ فى السماء , لو أنك تركته يرحل ويعود فى كل مرة . لكنت استطعت كسب وده , ولازداد أعجبك به اكثر فأكثر . من الان فصاعدا , انت فى حاجة الى لكى تقدرى على استعادته


*** من يوميات ماريا العائدة الى بلدها :
يوجد المثل نفسه في جميع لغات العالم : البعيد عن العين ، بعيد عن القلب . أؤكد أنه لا يوجد ما هو أكثر خطأ من ذلك ؛ فكلما ابتعدنا أكثر أصبحت العواطف التى نحاول خنقها و نسيانها أقرب الى القلب . اذا كنا في المنفى أردنا الاحتفاظ بأدنى ذكرى عن جذورنا ، و اذا كنا بعيدين عمن نحب كل شخص يمر في الشارع يذكرنا به

----------------
مقتبس من رواية احدى عشرة دقيقة

هل حقا نستطيع ان نحيى و من نحبه بعيدا عنا ام ان كلام ماريا صحيح و ان الحب يعيش رغم كل شىء , و رغم المسافات , و يكفينا ان نحيى على ذكريات من نحب الى ان يحين اللقاء ؟؟



إحدى عشرة دقيقة


تقدم الرواية حياة ماريا بطلة الرواية منذ الطفولة و التى لا تختلف كثيرا عن اى فتاة عادية , خبراتها في الحياة قليلة , و لكنها تحب المغامرة , تبدأ المغامرة بسفر الى مدينة قريبة من قريتها , و هناك تبدا مغامرة اكبر .. لن احكي لكم التفاصيل , و لكن اشد ما اعجبني انها لم تكن فتاة عادية , فقد كانت تفكر و كانت تكتب يومياتها و ارائها عن الحب و الجنس و سأعرض لكم بعض من تلك الكلمات التي اعجبتني

مؤكد أن الحب قادر على تغيير كل شىء في حياة شخص خلال زمن لا يذكر . و لكن – و ذاك هو الوجه الآخر للأمور- من شأن شعور آخر أن يدفع الكائن البشري لاتخاذ وجهة أخرى مختلفة تماما عن تلك التي رمى اليها : اليأس . نعم ، ربما يستطيع الحب تغيير انسان ما ، لكن اليأس قد يتمكن من ذلك على نحو أسرع


و كتبت ايضا في يومياتها

تحت تأثير الهوى ، لا يعود الانسان يأكل أو يشرب أو ينام أو يعمل ، يفقد الانسان سلامه . كثير من الناس يصابون بالخوف لأنه ، أثناء عبوه ، يسحق كل ما له صله بالماضي

وهناك من يفكرون بطريقة معاكسة تماما : انهم يستسلمون للتيار دون تفكير ، آملين العثور في الهوى على حل لجميع مشاكلهم . يحمّلون الاخر كل مسئولية سعادتهم ، و يجعلونه مسؤلا عن تعاستهم المحتملة . انهم مغتبطون دوما لأن شيئا رائعا حدث لهم ، أو محبطين لأن حدثا غير متوقع قد دمّر كل شىء
حماية النفس من الهوى أو الاستسلام له بشكل أعمى ، أي من هذين الموقفين هو الأقل تدميرا ؟
لا أعرف


قابلت ماريا ، بطبيعة عملها ، الكثير من الرجال بشخصيات مختلفة و يختلف دورها دوما باختلاف شخصية من ينام معها , و لكن دوما كان اللقاء لا يتعدي احدى عشر دقيقة , رأت ماريا ان تلك الاحدى عشر دقيقة تساهم بشكل كبير في تكوين شخصية الانسان و ربما تعتبر المحور الذي يدور حوله العالم , و ربما تكون الدافع و المحرك لكثير من الامور التي يقوم بها الانسان في حياته .. الى ان قابلت رالف هارت , لم تكن لقاءاتها به لقاءات جنسية .. و كتبت عن ذلك


الشخص القادر على الاحساس يعرف أن الاستمتاع ممكن حتى قبل ملامسة الآخر . الكلمات ، النظرات ، هذا كله يحتوي على السعادة

من يراقب الشخص الذي طالما حلم به و يكتشفه يعرف ان الطاقة الجنسية تسبق العلاقة الجنسية . ليس الجنس أكبر متعة ، بل الشغف الذي يمارس به . حين يكون هذا الشغف من نوعية عالية يأتي الجنس لاتمام السعادة ، لكنه ليس الشىء الجوهري أبدا

الانسان العاشق يمارس الحب طوال الوقت ، حتى و هو لا يمارسه . حين يلتقي الجسدان فان الكأس يفيض فقط . و يستطيعان البقاء معا ساعات ، بل أياما . يمكنهما البدء في يوم و الانتهاء منها في اليوم التالي ، أو عدم الانتهاء منها من شدة المتعة . لا علاقة لهذا بالأحدى عشرة دقيقة





و على الرغم من احساسها العارم بالحب تجاه رالف هارت الا انها قررت الانسحاب من حياته



29 July 2007

رواية شيكاغو

انتهيت من قراءة رواية شيكاغو في ثلاث ايام , حيث جذبتني الرواية من البداية و كأنني أمام مسلسل أو فيلم تتصاعد أحداثة و جعلني هذا غير قادر على ترك الكتاب الا بعد الانتهاء منه و الوصول الي نهاية الاحداث

بدأ الكاتب روايته بمقدمة عن تلك المدينة الأمريكية (شيكاغو ) و التي كانت مسرح للإحداث و عرض نبذة تاريخية لتلك المدينة منذ نشأتها حتى وصلت للوقت الحالي مرورا بتلك ألازمات و الحريق الذي قضي عليها في الماضي لكنها بفضل أبنائها عادت من جديد بل أكثر جمالا مما سبق حتى صارت ملكة الغرب الامريكي

بعد تلك المقدمة بدا الكاتب يعرض شخصيات الرواية و كأنك فتحت كنز به كل أنواع و أشكال البشر , و بالتأكيد ستجد نفسك قريب إلى واحد من تلك الشخصيات او مزيج من تلك الشخصيات , و عموما بدأ الكاتب بعرض شخصية شيماء المحمدي الفتاة البسيطة التى جاءت من طنطا إلى شيكاغو في بعثة لتحصل على الدكتوراه لأنها كانت متفوقة في دراستها و من ثم ينتقل الى شخصية اخري في اللحظة التي تكون الاحداث في ذروتها و هكذا يتركك مشتاق الى معرفة ماذا حدث بعد ذلك و تتوالي الشخصيات الواحدة تلو الاخري بشكل مثير

و الغريب أن الكاتب كان متعمق في وصف كل شخصية بشكل يثير الإعجاب لدرجة أن الوصف كان يصل إلى ادق التفاصيل حتى وصل الى التفاصيل الجنسية , و بالفعل فقد تناول الكاتب الحياة الجنسية لمعظم الشخصيات , ربما أراد الكاتب أن يثبت لنا أن الجنس جزء أساسي في حياتنا و يجب ألا نخجل من الحديث عنه و بالتأكيد كل شخصية كان الجنس يختلف شكله و تاثيرة و طريقة اشباعه باختلاف الشخصية

تناولت الرواية الكثير من المشاكل التي يعاني منها المجتمع المصري على الرغم من أن أحداث الرواية في مدينة شيكاغو و بالطبع معظم المشاكل كانت سياسية

وتمثل الجانب السياسي الثوري في شخصية ناجي عبد الصمد و كذلك الدكتور القبطي كرم دوس الذي ترك مصر نتيجة للاضطهاد الديني من الدكتور رئيس قسم الجراحة المشرف عليه و جاء إلى أمريكا و حقق نجاها باهرا وأصبح من اشهر جراحي القلب في العالم

و قد دار بين تلك الشخصيتين حوار في بداية تعارفهم و تتطور الحوار إلى نشوب معركة حادة بينهم و هذا جزء من حوارهم :

- لكن الأقباط مضطهدون في مصر !
- المصريون جميعا مضطهدون .. النظام في مصر مستبد و فاسد .. و هو يضطهد المصريين جميعا , مسلمين و أقباط .............. إن التعصب الديني نتيجة مباشرة للكبت السياسي
- المشكلة في رأيي ليست بين المسلمين و الأقباط , و إنما بين النظام و المصريين
- أذكرك بأن المصريين يموتون يوميا في أقسام الشرطة و مقار أمن الدولة من شدة التعذيب .. الجلادون لا يفرقون بين مسلم و قبطي

و من اكتر الكلمات التي أعجبتني في الرواية ذلك الحوار الذي دار بين الدكتور محمد صلاح و بين زينب التي أحبها عندما كان شابا و لكنه تركها لأنها كانت تحب مصر و لم ترضي أن تتركها و تهاجر معه وعندما شده الحنين للماضي و عاود الاتصال بها بعد مرور ثلاثين عاما , كان هذا جزاء من الحوار الذي عرضت فيه زينب مشكلة الشعب المصري الحالية :

- كيف تحولت مصر بهذه الطريقة ؟
- القمع , الفقر , الظلم , اليأس من المستقبل .. غياب أي هدف قومي . المصريون يئسوا من العدل في هذه الدنيا فصاروا ينتظرونه في الحياة الأخرى ! .. ما ينتشر في مصر الآن ليس تدينا حقيقيا , و إنما اكتئاب نفسي جماعي مصحوب بأعراض دينية !

و قد كان مشهد الذروة بالنسبة لي عندما وصل الرئيس المصري إلى شيكاغو و تلك اللحظات التي سبقت صعود الدكتور محمد صلاح لالقاء البيان الذي يحمل مطالب الشعب المصري و الذي يمثلة الطلبة المصريين في شيكاغو , كان البيان يطالب بالحرية و العدل و الديمقراطية للشعب المصري و التنحي عن الحكم

كان قلبي يخفق بشدة
و لم يكن لدي اى توقعات عن ما سوف ممكن أن يحدث و لكن تراجع دكتور محمد صلاح في اللحظة الأخيرة عن قراءة البيان المعد لكشف النظام و إحراجه أمام كاميرات العالم جعلني اشعر بخيبة امل و اعتقد هذا ما دفع الدكتور صلاح إلى الانتحار بعد ذلك

على الرغم من أن النهايات لكل الأحداث تركت مفتوحة إلا أن هذا كان أكثر واقعية فلا يستطيع احد أن يتوقع كيف سيكون المستقبل لتلك الشخصيات و احي الدكتور علاء على هذا العمل الرائع