Showing posts with label جابر عصفور. Show all posts
Showing posts with label جابر عصفور. Show all posts

11 November 2010

شهرزاد المتجددة

هكذا تقف شهرزاد في مواجهة شهريار ... كما يتصدى البطل للبطل النقيض ، و الفكرة للفكرة المضادة . و تؤدى شهرزاد دور المنقذ لبنى جنسها ... و تبدأ شهرزاد فعل القص فى أعقاب فعل الجنس ، كما لو كانت تتبادل و شهريار الأدوار ... و يمضى القص تحت راية الخيال ... و يستغرق الملك ، شيئا فشيئا ، فى دنيا الحكايات التى تصله بأقرانه الشر خارج حدود الزمان و المكان و اللغة ، متطلعا إلى المزيد من المعرفة بما لا يعرف ، ساعيا إلى اقتحام العوالم التى كان يجهلها ، متعرفا بين حكاية و أخرى نموذجا أنثويا جديدا ، يكشف بعدا مغايرا من أبعاد شهرزاد ... فيزداد اقترابا من معناها و استيعابا للرسائل الأخلاقية الاجتماعبة المعرفية التى تؤديها أمثولتها .

فيخرج كائنا جديدا ، متوهجا بالمعرفة ، متوجا بالحكمة ، بعد أن عانى طقس التحول الذى عاناه غيره من أبطال الحكايات التى يسمعها ، فينتقل من صورة الفحل إلى صورة الإنسان ، و من شهوة الغريزة المفضية إلى الموت إلى متعة الجنس الذى يؤدى إلى الحياة فى تواصلها الخلاق ، و آية ذلك أن الحكى لا ينتهى ، فى الليلة الحادية بعد الألف ، إلا و قد أنجبت شهرزاد ثلاثة أولاد من شهريارالذى تحول بالكلية و أدرك فساد الاعتقاد الذى كان واقعا فيه ، فعفا عن شهرزاد من كل شىء يضرها ، و كافأها على أنها خلصته من حمأة اعتقاده ، و كانت سببا فى توبته عن قتل بنات الناس .

فشهرزاد هي صانعة الحكايات التى تكتب بماء الذهب و تحفظ في خزائن الملوك كالجواهر ، أو تدون فى السجلات لأجل أن يطلع عليها الخلف فيعرف أخبار السلف ، أو يسعى إليها الساعون فى البلدان المختلفة ، لينسخوها بأدق ما يستطيعون ، كى يعودوا بها هدية إلى ملوكهم الذين يحفظونها فى خزائنهم ، ليطالعها من يبحث عن الحكمة المتجددة فى الزمان و المكان .

هذه الحكمة المتجددة هى حكمة الكتابة التي تصل الماضى بالحاضر ، و العرب بالعجم ، و المسلم بغير المسلم ، فتهدم حواجز العرق و الجنس و اللسان و العقيدة ، و تجمع من التدابير العجيبة و العلوم الغريبة و التجارب الحكيمة ما يصل القرون الماضية و الأمم البائدة بالقرون الحالية و الأمم الآتية ، مؤصلة فى الإنسان انتماءه إلى المعمورة الإنسانية كلها فى أحلامها و أشواقها ، مؤكدة أن حاجة الغائب موصولة بحاجة الشاهد ، لاحتياج الأدنى إلى معرفة الأقصى ، و احتياج الأقصى إلى معرفة الأدنى ، فذلك هو طبع البشرية و فطرة الإنسانية التى تؤكدها أمثولة شهرزاد فيما تؤكده من دلالات .

--------------------------------------------------------
منقول من كتاب .. نقد ثقافة التخلف .. لدكتور جابر عصفور



نقد ثقافة التخلف


على الرغم من أنني بدأت اليوم فقط في قراءة كتاب " نقد ثقافة التخلف " للدكتور جابر عصفور و لم أنتهي منه بعد ، إلا أني قررت الكتابة عنه و أنصحكم بقرائته حيث أعتبره تحفة فكرية رائعة.

يقول الكاتب في مقدمة الكتاب:
" أدرك بالطبع أن بعض أطروحات هذا الكتاب ستثير رفض البعض ، و تدفع البعض إلي الاختلاف ، و هذا ما لا أخشى منه ، بل أحث عليه ، فالفكر لا يرتقى إلا بالاختلاف و الحوار و المساءلة ، و الإيمان الجذري بأنه ما من أحد يمتلك أو يحتكر الحقيقة المطلقة ، أو ينوب عنها دون غيرها ، و نسبية المعرفة التى ينبغى أن نبدأ من التسليم بها هي الأصل في الاختلاف الذى تثرى به الأفكار ، و لولا ذلك ما تعلمنا من تراثنا المعنى الجليل لمبدأ ( اختلاف أمتي رحمة ) و هو المبدأ الذي تلزم عنه موضوعية الحوار ، مقرونة بالتسامح و تقبل حق الاختلاف بوصفه الحق الطبيعى لكل مفكر و مثقف.

و أخيرا ، فإني لا أزال أومن أن الغالب على تراثنا هو قيم التخلف لا التقدم ، و الدليل على ذلك أن الحضارة العربية الإسلامية لم تزدهر إلا بمدى ما حققت من حرية فكر و ابتداع ، و أنها لم تعرف طريقها إلى الانحدار إلا عندما استبدلت التقليد بالاجتهاد ، و التعصب بالتسامح ، و التسلط و الظلم بالمساواة و العدل ... فكانت النتيجة ازدياد معدلات الانهيار الذى اقترن بسجن المختلفين ، فكريا و سياسيا و تفكيرا دينيا ، و التصاعد المطرد في اضطهادهمو تعذيبهم ، و إعدام البعض منهم ... فنسينا أقوال ابن رشد العظيم عن الفصل بين العلم و الملة ، أو استمرار محاولات الاتصال بين العلم و الدين ، فأصبح الخطاب الدينى السائد معاديا للعلم في زمننا "


و من أهم الموضوعات التى تتناولها فصول الكتاب :
- اضطهاد الأنثى و تنكيرها
- ثقافة الاتباع
- التهوس بالماضى و النزوع إليه
- التميز و العداء للآخر و قمع الاختلاف
- تكفير علوم الآخر
- أزمة حرية التعبير و عوائق الحرية
- العداء للفنون
- الفتوى الصادمة و دلالاتها
- الإسلام دين و دولة
- مخاطر الدولة الدينية


الكتاب متوفر بمكتبات الهيئة المصرية العامة للكتاب .. طبعة دار الشروق .. سلسلة الفكر بمكتبة الأسرة.