لا شك أنَّ " اللواط " هو موضوع حديث العهد بالبحث والدراسة، رغم قدمه كظاهرة، ومن ثم لا نسطع أن نلم - الآن - بحكمة المُشرّع، عز وجلّ، في عدم فرض عقوبة، غير أنَّه يجب أنْ نشير هنا إلي عدّة نقاط خطرت لنا، مجرد خواطر، نسأل الله عنها السلامة، فنخرج من السوق كما دخلنا، فلا نحن نطمع في أجر ولا أجرين وقد وضحنا أنما لسنا من " المجتهدين " فما لنا في أجورهم من حق !.
وهذه الخواطر هى :
أنَّه لا علاقة طرديّة بين بشاعة الخطيئة، وشدة استنكارها في القرآن والخلق الإسلامي، وبين العقوبة أو الحدّ المفروض فيها .. فليس في القرآن - مثلا - جريمة أبشع من الكفر ولكن لا عقوبة عليها في الدنيا أو لا حدّ للكفر. لذا لا يجوز القول بأنَّه ما دام لم تشرّع عقوبة للواط ، فهذا يعنى أنَّها ليست جريمة، أو ليست فى مستوى الكبائر! هذا خطأ بالطبع.
ويرى الغزالي أنَّ الإبهام فس الكبائر التي لم يرد فيها حدّ أمر مقصود من الله سبحانه وتعباليى لأنَّ دار التكليف هى دار الدنيا. وهذا أمر يتعلق بالآخرة والإبهام أليق به حتى يكون الناس علي وجل وحذر،» الإحياء ج 4.
ولم أفهم ماذا يقصد.
وكما لا يجوز للمشرّع أنْ يتهاون فى عقوبة ما لم يرد به حدّ.
كذلك لا يجوز للمشرع أنْ يتأثر في تقديره للعقوبة، بما ورد من وصف بشاعة الفعل، وعقاب الله سبحانه وتعالي لقوم لوط .. فالله سبحانه أهلك قوم عاد وثمود لأنّهم كفروا بنبيهم، ولكن لا يحق للمشرّع اليوم أنْ يقضى بإعدام أو إهلاك من يكفر بهود أو صالح أو حتيّ محمد صلوات الله عليه.
الثانية: أنَّ حدّ الزنا مقترن بالإحصان، ونحن نرى أنَّ " اللوطي " لا يُمكن أنْ يكتمل فيه شرط الإحصان. إلاَّ إذا فهمنا الإحصان على أنَّه معرفة الفعل بتجربته.. .
وقد عرف صاحب الفقه علي المذاهب الأربعة الإحصان بأنَّه " الزواج من إمرأة محصنة ( ! ) بعقد صحيح ووطئها في قبلها، فمن وطىء إمرأة فس دبرها فليس بمحصن.. ولا هي .. " ولم نفهم كيف أنَّ المرأة التى سيتزوجها " محصنة " قبل أن~ يطأها! .. وإذا كان يقصد بالإحصان مجرّد تجربة الجنس، فإنَّ شرط الزواج بعقد صحيح غير ذي معني .. ولذا نعتقد أنَّ الإحصان يرد بمعنيين، معني اجتماعى وهو المقصود فى حدّ القذف ، وإلا لأبيح قذف البكر! .. ومعنى قانوني نفساني هو شرط من شروط حدّ الزنا .. وهو معرفة طبيعة الفعل وأبعاده .. فالنبي عندما سأل ماعزًا: أتعرف ما الزنا .. قال: فعلت بها في الحرام ما أفعله بزوجتى في الحلال أي معرفة أبعاد الفعل.
وإذا أخذنا المعنى الثالث المستخدم في الرواية المنسوبة للإمام الشافعس: وهو قوله - في زعمهم – " من لم يتزوج مصرية فليسى بمحصن ". وهذا بالطبع لا فقه ولا حتي جد .. وإنَّما لو قاله فعلي سمبيل المزاح، وتحية لمصر التي استضافته، وألمعية في معرفة أنَّ كسب رضاء المرأة يغني عن سائر الجهود مع السلطة والمجتمع...
ولكن المهم هنا، هو استخدام اللفظ، فالمعنى المقصود أنَّه لم تشبع حاجته تمامًا.. .
وبالتالى فلا نستطيع القول إاحصان اللوطس لو تزوج، لأنَّ شهوته لا تنطفىء بالزواج من امرأة، خاصة إذا كان سلبيًا، وإنْ كان الزواج في بعض الحالات يساعد علي العصمة. كذلك فإنَّ مفهوم الرابطة الزوجية لا ينعكس بشكل واضح علي علاقة اللواط. ومن ثمّ ذهبنا إلي أنَّ اللوطي لا يُمكن أنْ يكون محصنًا، إلا من ناحية واحدة، وهي خيانة الزوج أو الزوجة إذ يفترض في الحياة الزوجية، الاتفاق أو التعاقد علي المشاركة الكاملة الجسدية والنفسية. ومن ثم فمن حق الحاكم أن يُشدّد أكثر في عقوبة اللوطي المتزوج....
علي أيّة حال، فإنَّ هذه الأسئلة تنبع من حقيقة أنَّ الإسلام أدان هذا الفعل أشنع إدانة، لم يفرض فيه حدًا...
لماذا كان وعده – سبحانه وتعالي – بالولدان المخلدون في الجنة؟
ثم نأتي لهذه الخاطرة، وهى تفسير وعده سبحانه وتعالى للمؤمنين بولدان وغلمان فى الجنة: " مخلدون " وغاية في الجمال والنضارة.
وقد ورد ذلك في ثلاثة: الطور والواقعة والإنسان... قال سبحانه وتعالي:
" وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ {10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ {11} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ {12} ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ {13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ {14} عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ {15} مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ {16} يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ {17} بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ {18} لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ {19} وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ {20} وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ {21} وَحُورٌ عِينٌ {22} كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ {23} جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {24} لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً {25} إِلا قِيلاً سَلاماً سَلاماً {26} وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ {27} فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ {28} وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ {29} وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ {30} وَمَاء مَّسْكُوبٍ {31} وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ {32} لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ {33} وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ {34} إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء {35} فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً {36} عُرُباً أَتْرَاباً {37} لأَصْحَابِ الْيَمِينِ {38} ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ {39} وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ {40} " (الواقعة 10-40).
ولا أظن أنَّ أحدًا يستطيع المجادلة في أنَّ " الولدان " هنا هم غلمان. وأنهم يعرضون في مجال النعيم والتلذذ.. بجمالهم، كجزاء حسن للمؤمنين، مثلهم مثل الأباريق والخمر والفاكهة والطير، وحور العين، كلها للمتعة بما فيها من حُسْن. وإذا كان " الولدان " و " وحور العين " هما الكائنان العاقلان؛ وحور العين، ثابت في الأثر وبنصّ القرآن، أنهن للاستمتاع الجنسي. وكل الفرق في الآية بينهن وبين الولدان، رهو أنَّ حور العين لؤلؤ مكنون والوالدان " لؤلؤ منثور " والمفسرون رضي الله عنهم قرّروا أنَّ اللؤلؤ المثور أكثر جمالاً من المكنون. وإنْ كان " المكنون " أكثر صيانة، وأكثر إثارة للخاطر، إلاَّ أنَّ الله سبحانه وتعالي قد آثر هؤلاء الغلمان بالجمالين. المكنون والمنثور .. فقال عنهم في سورة الطور:
" وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ " (الطور24).
قال ابن عباس " سرر منسوجة بالذهب، مرصّعة بالدر، متكئين عليها. أي حال كونهم مضطجعين علي تلك الأسرة، شأن المنعّمين المترفين " ( لاحظ إقران " الولدان " والتمتّع بهم دائمًا مع الترف الشديد ج ) متقابلين، أي وجوه بعضهم إلي بعض. ليس أحد وراء أحد، وهذا أدخل في السرور، وأكمل في آداب الجلوس. ويدور عليهم للخدمة أطفال ( نعترض هنا فالله سبحانه وتعالي يقول ولدان وغلمان والولد أو الغلام غير الطفل ج ) في نضارة الصبا لا يموتون ولا يهرمون قال ابن حيان: وصفوا بالخلد، وإنْ كان كل من في الجنة مخلدًا ليدل علي أنَّهم يبقون دائمًا في سن الولدان ( الولدنه كما يقول الشوام واللبنانيون ج ) لا يتحولون ولا يكبرون. كما وصفهم جلَّ وعلا (صفوة التفاسير. محمد علي الصابوني عن البحر المحيط )..
وفي سورة الإنسان، وتأمّل حكمة اسم الآية!.. .
" وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً {12} مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً {13}
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً {14}
وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا {15} قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً {16} وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً {17} عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً {18} وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً {19} وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً {20} عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً {21} إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً {22} " (الإنسان 12-22)
قال المفسّرون: مضطجعون علي الأسرّة المزينة بفاخر الثياب والستور، وإنّما خصّهم بهذه الحالة لأنَّها أتمّ حالات النعيم. " أي غلمان يُنشئهم الله تعالي لخدمة المؤمنين ( مخلدون ) أي دائمون علي ماهم عليه من الطراوة والبهاء. قال القرطبي أي باقون علي ما هم عليه من الشباب والنضارة، والغضاضة والحُسن، لا يهرمون ولا يتغيّرون ويكونون علي سنّ واحدة علي مرّ الأزمنة ( تفسير القرطبي ) إذا نظرتهم منتشرين في الجنة لخدمة أهلها، خلتهم لحسنهم وصفاء ألوانهم وإشراق وجوههم كأنهم اللؤلؤ. وقال الرازي هذا من التشبيه العجيب لأنَّ اللؤلؤ إذا كان متفرقًا يكون أحسن في المنظر لوقوع بعضه علي بعض فيكون أروع وأبدع. ( التفسير الكبير ).
وجاء فى تفسير الرازى :
يطوف عليهم ولدان مخلدون فيها وجهان؛ أحدهما أنَّه علي الأصل وهم صغار المؤمنين وهو ضعيف؛ لأنَّ صغار المؤمنين أخبر الله تعالى أنَّه يُلحقهم بآبائهم، وقيل أنهم صغار الكفار وهو أقرب من الأول.
والثانى أنهم صغار بصرف النظر عن كونهم مولودين . . مخلدون لا يتغيّرون عن حالهم ويبقون صغارًا دائمًا لا يكبرون ولا يلتحون ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون.
وقوله ( لهم ) أي ملكهم إعلامًا بقدرتهم علي التصرف فيهم بالأمر والنهي والاستخدام وهذا هو المشهور وأضاف الشارح في الهامش اللام في اسم للملك أو التخصيص أي لا كسقاة الخير فى الدنيا يسقون كل شارب؛ ويستجيبون لكل طالب.
... وقوله تعالى: " كأنهم لؤلؤ " أي في الصفاء و( مكنون ) ليفيد زيادة في صفاء ألوانهم أو لبيان أنهم كالمخدرات لا بروز لهم ولا خروج من عندهم فهم في أكنافهم.
قال الشاعر:
لا شئ أحسن منه حين تبصره.. كأنَّه من جنان الخلد قد سرقا!
والسؤال الثاني السوار إنما يليق بالنساء وهو عيب للرجال فكيف ذكر الله تعالي ذلك في معرض الترغيب؟ الجواب أهل الجنة مرد شباب فلا يبعد أن يحلو ذهب وفضة وإن كانوا رجالاً.
ثلة لم ترد في القرآن كله إلاَّ ثلاث مرات كلها في صورة الواقعة وعند الحديث عن هذه الفئة المُنعّمة بالغلمان والأساور .. إلخ وهي تفيد أنهم قلة والحمد لله ؟؟.. .
وإذا كان ابن عباس رضى الله عنه، في صدر الإسلام، ومناخ الطهارة، قد فسرهم بأنَّهم أطفال فإن المفسرين فى العصور المتقدمة، ومع تطوّر المعرفة بالنفس البشرية، وظهور هذا الميل، ركّزوا علي اللفظ القرآني وهو : ولدان، أو غلمان كما قال القرطبي.
فإننا نضيف اليوم أنَّ هذه السورة نزلت في هؤلاء الذين ابتلاهم الله فصبروا وعفّوا، الذين قالوا علي لسان الله سبحانه وتعالي في مطلع الآية " إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُوراً {9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً {10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً {11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً {12} مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً {13} " ( الإنسان 9-13) إلي آخر الآية التي أوردناها...
أمَّا في سورة " الطور " فقال جل وعز من قائل:
" تَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ {20} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {21} وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ {22} يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ {23} وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ {24} وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ {25} قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ {26} فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ {27} إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ {28} فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ {29} " ( الطور20-29).
من سرد الآيات، نلاحظ أنَّ أهل هذا النعيم. لهم صفات خاصة، هي الترف الشديد، ولبس الحرير والأساور .. وهى صفات هذه الفئة، ونلاحظ أنَّ كلمة " تأثيم " وردت مرتين في القرآن فقط. والمرتان وردتا في الحديث عن هؤلاء المستمتعين بالولدان أو الغلمان .. ولا مجال للحديث في الجنة عن الإثم أو التعرض للتأثيم من الجماعة، إلاَّ في هذه المتعة، التى مهما قيل عن الجنة، يظل في نفس البعض شعور بالحرج منها، ورغبة في تأثيم فاعلها، ولذلك طمأنهم العزيز الحكيم أنَّهم لن يسمعوا فيها لغوًا ولا تأثيمًا.
بل من حقنا أنْ نفسّر قوله تعالى ... غلمان لهم ... بأنَّهم غلمانهم في الدنيا، الذين عفّوا، وتأثّموا، وصانوهم هم عن الفاحشة فاجتمعوا في الجنة، في خلود داثم للحظة الرغبة التى كُبحت بالتديّن!!!!
واذا كان المفسرون قد اتفقوا على دوام صفة الولدنه أو خلودهم في سن الغلمان، فقد استنتجنا أنَّ الحكمة في النصّ علي الخلود، هي تأكيد مصدر المتعة في هؤلاء الغلمان لمن يشتهيهم، ودوامها. بعكس ما في الدنيا من زوال الفتنة بدخول الغلام سن الرجولة .. ففى الجنة " لن تنبت لحية شقران " أبدًا حتى ينجز وعده لمن أشفق في أهله، وخاف من ربه يومًا عبوسًا قمطريرًا. فوقاه ربه شرّ هذا اليوم، وجزاه " بما صبر " جنة وحريرًا والولدان المخلدين، مع ثياب سندس واستبرق وأساور من فضة .. أى هيين أو بانك .. إلخ ما يشاء مما اشتهى في الدنيا، وحرم نفسه مخافة ربه.
وربما يسهل الأمر علينا لو فهمنا هذه الحقائق:
1- من الخطأ تقييم الحياة الأخري بمقاييس وأحكام هذه الحياة التى نعيشها فهذه دار العمل الصالح والطالح، دار المحاسبة، دار الفناء، دار التعامل مع النفس والناس بما يفيد ويضرّ .. أمَّا هناك فدار الجزاء فقط، ما من عمل هناك يفيد أو يضرّ، ولا من عمل يُحاسب عليه الإنسان، دار " الخلود " المطلق، وهي كلمة مهما حاول الفاني أن يصورها أو يقربها إلى مفهومه، فلا يُمكن أنْ يُحيط بأبعاد الخلود، إنَّه تعبير لا يمكن فهم بعضه إلاَّ بنسبته إلي ضدّه! ...
ولا شكّ أنَّ ممارسة الخلود ستخلق قيمها ومقاييسها، كذلك لا يُوجد في الجنة أو النار شرّ ولاخير .. لأنَّ الشر والخير هو بما يعود عليك أي بنتيجة العمل، وهذه غير متاحة في عالم الخلود، فلا شىء يضرّك ولا تستطيع الإضرار بأحد فكيف يكون الفعل شريرًا ؟!!!. وبالتالي فلاخير وإنّما هناك لذيذ وألذ....
2- كل المحرّمات في هذه إلأرض تسقط في الأخرة، فقد وعدنا بالخمر وإنْ كانت أفضل من خمر هذه الأرض فهي لا تسبب صداعًا ولا عطشًا .. وحور العين بلا عدد، ولا أظن أنَّ هناك سببا مثل اختلاط الأنساب أو الأمراض أو الفاحشة ... إلخ يبرر تحريم التمتّع بهن علي نحو يختلف عما في دار الفناء هذه كذلك نظنّ أنَّ هذا التمتّع ليس بقاصر علي المؤمنين من الرجال وحدهم! كذلك فإنَّ وعد
الرحمن " فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ " (سورة الأنبياء102) " نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ " (سورة فصلت31) " يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " (سورة الزخرف71)
هذا الإطلاق الإلهي لا يجوز أنْ يُحدّ بمزاج أو أخلاقيات فرد في هذه الدنيا، ولا حتّي جماعة.. وإليك بعض ما نظنّه من الغرائب ولكنّه منطقي للغاية مع فكرة الجنة أو الخلود بلا حساب ولا عقاب، ولا أسباب ولا قوانين مما تحكم حياتنا الفانية:
قال رسول الله: إنَّ الرجل من أهل الجنة يولد له الولد كما يشتهى يكون حمله وفصاله وشبابه في ساعة واحدة أحرجه ابن ماجة والترمذى وقال حسن غريب ( إحياء علوم الدين للغزالى ج 4 ص542 الغزالي ).
وقال سعيد بن المسيب " ليس أحد من أهل الجنة إلاَّ في يده ثلاثة أسورة .. سوار من ذهب وسوار من لؤلؤ وسوار من فضة " ( ص 543 الإحياء ).
وقال الغزالي في إحياء علوم الدين: " إيّاك أنْ تنكر شيئًا من عجائب يوم القيامة؛ لمخالفته قياس ما في الدنيا ".
وقال في وصف الجنة:
فنفكر في أهل الجنة وفي وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم؛ جالسين علي منابر الياقوت الأحمر فى خيام من اللؤلؤ الرطب الأبيض: فيها بسط من العبقرى الأخضر؛ متكئين علي الأرائك منصوبة علئ أطراف أنهر مطردة بالخمر والعسل؛ محفوفة بالغلمان والولدان مزينة بالحور العين من الخيرات الحسان كأنهن الياقوت والمرجان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان يمشين في درجات الجنان؛ إذا اختالت إحداهن في مشيها حمل أعطافها سبعون ألفا من الولدان، شكلات غنجات عطرات آمنات من الهرم والبؤس، ويطوف عليهم، خدام وولدان كأمثال اللؤلؤ المكنون؛ يشربون من أنهارها لبنًا وخمرًا وعسلاً في أنهار أراضيها من فضة مرصعة بالدر والياقوت والمرجان في كفّ خادم يحكي ضياء وجهه الشمس في إشراقها ولكن من أين للشمس حلاوة مثلا حلاوة صورته وحسن أصداغه وملاحة أحداقه.
والغزالي هو القائل في الإحياء إنَّ الشرّ في الصبيان أكثر فلو مال إلي امرأة أمكنه الوصول إلى استباحتها بالنكاح. ( الزواج ) والنظر إلى وجه الصبي حرام بل كل ما يتأثر قلبه بجمال صورة الأمرد بحيث يدرك التفرقة بينه وبين الملتحى لم يحل له النظر إليه فإن قلت كل ذي حس يدرك التفرقة بين الجميل والقبيح لا محالة؛ ولم تزل وجوه الصبيان مكشوفة! فأقول لست أعني التفرقة بين شجرة خضراء وأخرى يابسة وبين ماء صاف وماء كدر وبين شجرة عليها أزهارها وأنوارها وشجرة تساقطت أوراقها: فإنه يميل إلى إحداهما بعينه وطبعه ولكن ميلاً خاليًا عن الشهوة، ولأجل ذلك لا يشتهي ملامسة الأزهار والأنوار وتقبيلها ولا تقبيل الماء الصافي، وكذلك الشيبة الحسنة قد تميل العين إليها وتدرك التفرقة بينها وبين الوجه القبيح، ولكنها تفرقة لا شهوة فيها ويُعرف ذلك بميل النفس إلي القرب والملامسة فمهما وجد ذلك الميل في قلبه وأدرك تفرقة بين الوجه الجميل وبين النبات الحسن والأثواب المنقشة والسقوف المذهبة.
فهل يا ترى يرى الغزالي أنَّ استمتاع أهل الجنة بحسن هذا الغلام الذي أبدع في وصف جمال أصداغة وأحداقه هو من نوع استمتاعهم بالشجر والماء والثوب المنقوش..إلخ؟...
وكان الغزالي قد أورد في بداية هذا الحديث خبرًا عن منصور بن اسماعيل قال رأيت عبد الله البزار في النوم فقلت ما فعل الله بك؟ قال أوقفي ين يديه فغفر كل ذنب أقررت به إلا ذنبًا واحدًا فإننى استحييت أن أقر به فأوقفي في العرق حتى سقط لحم وجهي فقلت ما كان ذلك الذنب ؟ قال نظر ت إلي غلام جميل فاستحسنته...
وما دامه النظر لهذا الجمال في وجوه الغلمان لابد أن يثير الشهوة لمن ابتلى بذلك وهو ذنب يستحق أنْ يذيب لحم وجه المؤمن العابد كما قال فلماذا ينعم على المرضي عنهم بغلمان يفوق جمالهم كل جمال استهواه في الدنيا؟!.
لماذا النصّ علي أنهم غلمان وولدان .. وإذا كانت الغاية هي الخدمة الحسنة والمنظر الجميل .. فلماذا لم يكونوا ملائكة؟ وهل أجمل أو أبهي من الملائكة؟ وهل أقدر على الإبداع في الخدمة من ملاك؟ وهل من تكريم أكبر من أن تخدم ملائكة ذلك الذي خلق من ماء مهين وصلصال وطين؟ ليس للغلمان من صفة يتميّزون بها علي الملائكة في الخدمة والجمال والتكريم إلاَّ أنَّ الملائكة كائنات غير جنسية مثلهم مثل الورد والأشجار والبسط المبثوثة .. من هنا نذهب للقول بأنَّ لهؤلاء الغلمان مهمة خاصة استلزمت إنسانيتهم...
وعن أبي هريرة قال رسول الله: " من سرَّه أنْ يسقيه الله عز وجل الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا ومن سرّه أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا ". أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن وللنسائي بإسناد صحيح: " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الاخرة؛ ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ".
فالحرير والخمر محرّمان في الدنيا مباحان بل ونعمة ينعم الله بها في الآخرة علي من يلتزم حكمه ونهيه في الدنيا ولا تسأل لماذا تكون محرّمة في الدنيا مباخة في الآخرة، فكما قال الغزالى في إحياء علوم الدين: إياك أن ت،كر شيئًا من عجائب القيامة لمخالفته قياس الدنيا.
وقد طلب الإعرابي من رسول الله أنء يضمن له الإبل في الجنة لأنَّه يحبها فقال: ياعبد الله إنْ دخلت الجنة فلك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عيناك. أاخرجه الترمذي من حديث بريدة. فلماذا نضع فيتو على اشتهاء معين ونقول أنَّه محظور في الجنة والله يقول : " َلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ " (سورة فصلت31).
بل لقد وجدت حديثًا عجيبًا نقله الغزالى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخرجه الترمذي قال رسول الله – ص -: " إنَّ في الجنة سوقًا ما فيها بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها "!
وهو حديث عجيب معناه أنَّ الرجل أو المرأة كلاهما يستطيع أنْ يغير صورته أو صورتها، إلي نفس النوع ولكن أجمل وأبهي، وأيضًا أنَّ الرجل الذي يشتهى أن يكون إمرأة أو يحسّ بأحاسيس المرأة، يستطيع إنْ كان من أهل الجنة تحقيق رغبته بزيارة هذه السوق، والعكس صحيح للمرأة .. فهني~ًا للصابرين والصابرات المتعففين في هذه الدنيا والمتعففات.
ولا أستطيع أنْ أبتعد عن سوق الرحمة هذه من غير أن أعرج على رواية أوردها الغزالى نفسه وكأنَّ في خاطره هو أيضًا حديث السوق هذه .. قال الإمام الغفزالي: " روي عن عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفى؛ قال رأيت ثلاثة رجال وامرأة يحملون جنازة فقلت للمرأة من كان هذا ؟ قالت ابني .. قلت ولم يكن لكم جيران ؟ قالت بلى ولكن صغّروا أمره! قلت لماذا ؟ قالت لأنَّه كان مخنثًا .. قال فرحمتها وذهبت بها إلي منزلي وأعطيتها دراهم. قال فرأيت تاك الليلة كأنه أتاني كأنه القمر ليلة البدر وعليه ثياب بيض؟ فجعل يتشكرني فقلت من أنت ؟ فقال المخنث الذي دفنتموني اليوم رحمني ربي باحتقار الناس إياي ( الغزالي ج 4من الإحياء ).
لعلّ الغزالى قد ترك مخنثه هذا يرتع في سوتى الصور يدخل فيما شاء من صور الرجال والنساء ولا يسمع لغوًا ولا تأثيمًا لما يتقلب فيه بما غفر الله له ورحم.
وأيه محاولة لانكار تفسيرنا لطبيعة هؤلاء الغلمان ستنتهي بصاحبها إلي إنكار الطابع الحسي لجنتنا واقتباس التصور المسيحي عن جنة روحية لا أجساد فيها ولا اشتهاء ولا متع حسية. وهذا ما سقط فيه المنهزمون أمام الحملة التبشيرية التي ركزت علي نقد وصف جنتنا باتهام رخيص هو أنها جنة شهوانية حسية نأكل فيها
نمارس الجنس كأن هذا عيب أو لا يليق!! ومع اتفاقنا بأنَّ قدرة الله لا يحدّها مستحيل ولا يحدّدها تصوّر المخلوق الفاني إلاَّ أننا أمام نصوص صريحة تؤكّد أنَّ الجزاء سيكون بصورة ما مِنْ نفس العمل فسنُعوّض في الآخرة عمّا حُرِمْنا منه أو ما تِعَففنا عنه أو ما أحسنّا شكر نعمته ولامجال لأيّ خجل أو استخزاء من ناحية المطالب الحسّية للجسد كما يفعل صرعي الحضارة الغربية فليس في الجسد عيب ولا قباحة ولا في تلبية احتياجاته وشهواته المشروعة في هذه الدنيا ولا في التطلع لنعمة الجسد بلا حدّ في الآخرة.
وأقدم هنا مثالاً لمن أفزعه تفسير الغلمان فاضطر إلي إلغاء كل المتع الحسّية في الجنة وتبني التصوّر المسيحيّ عن متع الروح وهو " مولانا محمد علي "( اسمه هكذا مولانا .. ج ) مؤلف كتاب " الدين الإسلامي في الأصول والعقائد " اقتبسه من الأصل الإنجليزي إلي العربية محمد سعيد أحمد بك - مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1951 قال:
" كل هذه أسماء أشياء في الدنيا وليس منها في الجنة إلا الأسماء وإنما وردت لتصوّر لنا النعيم الذي يلقاه الإنسان في الآخرة أمّا حقيقتها فهي مما لا يعلمه إنسان لقصور حواسه عن إدراكها. وإنّما جاءت أوصاف الجنة علي سبيل المثال؛ وكل شيء في الآخرة يختلف عنه في الدنيا حتي الزمان والمكان فإنهما يختلفان عن زماننا ومكاننا. فقد جاء أنَّ الجنة عرضها كعرض السموات والأرض ويقربنا هذا من قول من قال إنَّ الجنة والنار حالتان وليستا بمكانين ..
" ومثل ذلك ما جاء عن اقتران الرجال بالنساء في الجنة؛ وقد فهم بعض الناس خطأ أنَّ لهذا الاقتران معني جنسي ( !؟! ج ) وقد جاء في الراغب أنَّ قوله تعالى:
" زوجناهم بحور " أي قرناهم بهن ولم يقل زوجناهم حورًا كما يقال زوجته امرأة تنبيهًا إلي أنَّ ذلك لا يكون علي حسب المتعارف بيننا من أمر الزواج. وأنَّ في الصلة الجنسية بين الرجل والمرأة في هذه الحياة الدنيا استجابة لداعي الطبيعية واستعمار الأرض وحفظ النوع .. وليس هذا هو المقصود في الآخرة حيث لا ضرورة لذلك هناك!! ( ألغى اللذة الجنسية وهي التي قال ابن القيم أنَّها وحدها التي ستبقى في الآخرة ولكن ابن القيم لم يكن يدافع منهزمًا أمام المبشرين ج ). وعلي ذلك فاقتران الرجال بالنساء في الجنة له معني آخر يختلف عن المعني المتعارف بيننا .. ولنعرض للحور العين لنبيّن إذا كان المراد بهن أزواج أهل الجنة أم غيرهن فقد جاء في القرآن بعد الإشارة إلي الحور العين آيات متصلة بها وهي قوله تعالى: " إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لأَصْحَابِ الْيَمِينِ " (سورة الواقعة38). وقد جاء عن النبي أنه قال: " إنَّ المنشآت اللاتي كن في الدنيا عجائز عمشا رمصًا .. وعلي ذلك يكون المقصود من الآية أنَّ النساء العجائز في هذه الدنيا ينشأن نشأ آخر يوم القيامة ويصرن أبكارًا.. ولو فسرنا الحور علي أنَّهن نساء غير نساء الدنيا أنشئن لنعيم الرجل ولذته لكان حقًا علي الله أنْ يُنشيء رجالاً لاستمتاع نساء أهل الجنة حيث أنّهن لا يختلفت في طبائعهن عن الرجال فكان من حقهن أن يحظين بما تحظى به الرجال في الجنة. ( ومن أخبرك أنَّ الله لا يفعل أم تظن أن غيرتك وعنجهيتك كرجل هي وحدها التي ستبقي علي حالها من أحاسيس الدنيا؟ بل لعلّ ذلك هي الحكمة الإلهية في خلق هذه الكائنات غير الآدمية لكي لا تغير منهن نساء الدنيا ولا يغير منهن رجال الدنيا وإلاَّ فقد كان في قدرته سبحانه وتعالي أنْ يخلق ما شاء من النساء فلماذا الحور ونحن لا نعرف بعد لذة الإستمتاع بها جنسيًا؟ أمأ أنَّ القرآن لم يصرح بحور عين مذكرين فذلك مراعاة لعقول الناس ونفسياتهم وها أنت بعد 15 قرنًا ما زلت تستعيذ أنْ تتمتع زوجتك في الجنة ولو مع كائن غير بشري... فماذا عن عرب الجاهلية؟
يقـول:
" والحقيقة أن نعيم الجنة لا يُدرك كنهه أحد وأنَّ ماجاء في القرأن عن هذا النعيم ليس فيه أي معنى شثهواني وأنَّ ما ورد عن الحور إنّما هو يرمز إلي الطهر تشبيها بالبياض ونعيم الروح ".
مولانا تنصر ها هو يتحدث عن زواج كزواج الراهب بالسيدة مريم أو زواج الراهبة باليد المسيح .. ج!!
ويتابع إلي بيت القصيد فيقول:
" وما قيل عن الحور يقال عن الغلمان: وقيل في تفسير الآية الأولي " غلمان لهم " أنَّ الغلمان هم أولاد المؤمنين في الجنة وعبر عنهم بقوله تعالى: " غلمان لهم - أي أولادهم " مولانا الهندي يعتقد أنَّه أقدر علي التعبير من القرآن .. وإلا لسأل نفسه ولماذا لم يقل القرآن أولادهم أو غلمانهم كما قال هو ؟؟ ج ) ويدل علي ذلك ما جاء في آية سابقة لها من أن الله تعالي يلحق بالذين آمنوا ذريتهم في الجنة قال تعالي: " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " وقد أوردنا رد المفسرين علي هذا القول ج ).
" وقد يجوز أنَّ المقصود بالغلمان والولدان أنَّهم من نعيم الجنة علي أنهم رمز للطهر ونعيم الروح كما ذكرنا عن الحور ".
علي أيّة حال مولانا اضطر للتسليم بوجهة نظرنا فساوي بين الغلمان وحور العين فهو أولاً تخلّى عن تفسير أولادهم وثانيًا جعلهم للاستمتاع والنعيم مثل حور العين. ومن الناحية النظرية نحن لا نعارض، فكما قلنا كلّ تفسيرات الجنة محدودة بقدرتنا علي التصوّر أو إن شثت بقدرتنا علي الاشتهاء ..
وكما أنَّ المؤمن السوي يستمتع بأنثى اسمها حور عين فكذلك من ابتلي بهوى الغلمان في الدنيا وعفّ وما تخطى حدود الله يمتّعه الله بكائنات مذكّرة اسمها الولدان المخلدون أمّا أنْ يستمتعا روحيًا أو جسديًا فهذه مزاجات شخصية لا نتدخل فيها.
إنَّ اللواط كما شرحنا، وبالذات عشق الغلام الأمرد، في رأي بعض الدراسات، هو مرحلة في حياة الكثيرين، رغم إرادتهم، وقد " تثبت " في ذوق البعض إلي ما بعد مرحلة المراهقة. ويعتقد الأطباء أنّ نسبة من الذكور تولد ولديها ميل قوي نحو الجنس المماثل .. ولكن الإنسان لا يُفترض فيه - من وجهة نظر الأديان - أن يخضع لشهوته أو حتى لغريزته وإلا فإن كل إنسان تشاجر أو اختصم تمنى بحكم الغريزة لو أطبق علي عنق غريمه وقضمه، كما يفعل النمر في البقرة .. وما من رجل لم تحدثه نفسه - ولو مرة - بمضاجعة امرأة جميلة أثارت خياله، وكثيرون يتمنون لو أنهم استطاعوا نقل البنك الأهلي إلي ملكيتهم لولا خوفهم من القانون، فما هو غريزي لا يعني أنه مشروع أو محتوم. وما ميزة الإنسان علي الحيوان والملائكة إلا قدرته في ضبط غرائزه.. .
فالذي كبح شهوته، وصان عفته، وحفظ فرجه، ألا يستحق الجزاء؟! وما الجزاء إلاَّ أنْ ينال في الجنة ما اشتهى وأفضل ؟.. .
فكما أنَّ " حور العين " جزاء من إشتهى الزنا ولم يقربه من خشية الله، فكذلك " الولدان " جزاء من إشتهي وعفّ ..
والله أعلم!! .
أما عن الجانب الحضاري، فقد وضحنا أنّها ظاهرة لا يمكن أنْ توجد ولا يمكن أن يُسمح بها في مرحلة التحدي الحضاري، في مرحلة تحرر الأمم وبناء حضارتها. فالخصائص والمقاييس المطلوبة في فتيان الفراش، غير خصائص المجاهدين وفتية التحرير والاستشهاد .. ولا أهمية للأمثلة الشاذة، فنحن نتحدّث عن مقاييس وعلاقات ومفاهيم .. واللواط كفاحشة أو كمسلك حضاري لا يمكن أن يستقيم مع احتياجات ومواصفات حركة تحرير أو بعث .. .
فالعفة مطلوبة، وجزاؤها التحرّر والقوة في الدنيا .. والجنة ونعيمها بحورها وولدانها أو ما شثت مما لا عين رأت ولا أذن سمعت .. في الآخرة .. .
إن شاء الله ..
منقول من كتاب .. خواطر مسلم في المسألة الجنسية
وهذه الخواطر هى :
أنَّه لا علاقة طرديّة بين بشاعة الخطيئة، وشدة استنكارها في القرآن والخلق الإسلامي، وبين العقوبة أو الحدّ المفروض فيها .. فليس في القرآن - مثلا - جريمة أبشع من الكفر ولكن لا عقوبة عليها في الدنيا أو لا حدّ للكفر. لذا لا يجوز القول بأنَّه ما دام لم تشرّع عقوبة للواط ، فهذا يعنى أنَّها ليست جريمة، أو ليست فى مستوى الكبائر! هذا خطأ بالطبع.
ويرى الغزالي أنَّ الإبهام فس الكبائر التي لم يرد فيها حدّ أمر مقصود من الله سبحانه وتعباليى لأنَّ دار التكليف هى دار الدنيا. وهذا أمر يتعلق بالآخرة والإبهام أليق به حتى يكون الناس علي وجل وحذر،» الإحياء ج 4.
ولم أفهم ماذا يقصد.
وكما لا يجوز للمشرّع أنْ يتهاون فى عقوبة ما لم يرد به حدّ.
كذلك لا يجوز للمشرع أنْ يتأثر في تقديره للعقوبة، بما ورد من وصف بشاعة الفعل، وعقاب الله سبحانه وتعالي لقوم لوط .. فالله سبحانه أهلك قوم عاد وثمود لأنّهم كفروا بنبيهم، ولكن لا يحق للمشرّع اليوم أنْ يقضى بإعدام أو إهلاك من يكفر بهود أو صالح أو حتيّ محمد صلوات الله عليه.
الثانية: أنَّ حدّ الزنا مقترن بالإحصان، ونحن نرى أنَّ " اللوطي " لا يُمكن أنْ يكتمل فيه شرط الإحصان. إلاَّ إذا فهمنا الإحصان على أنَّه معرفة الفعل بتجربته.. .
وقد عرف صاحب الفقه علي المذاهب الأربعة الإحصان بأنَّه " الزواج من إمرأة محصنة ( ! ) بعقد صحيح ووطئها في قبلها، فمن وطىء إمرأة فس دبرها فليس بمحصن.. ولا هي .. " ولم نفهم كيف أنَّ المرأة التى سيتزوجها " محصنة " قبل أن~ يطأها! .. وإذا كان يقصد بالإحصان مجرّد تجربة الجنس، فإنَّ شرط الزواج بعقد صحيح غير ذي معني .. ولذا نعتقد أنَّ الإحصان يرد بمعنيين، معني اجتماعى وهو المقصود فى حدّ القذف ، وإلا لأبيح قذف البكر! .. ومعنى قانوني نفساني هو شرط من شروط حدّ الزنا .. وهو معرفة طبيعة الفعل وأبعاده .. فالنبي عندما سأل ماعزًا: أتعرف ما الزنا .. قال: فعلت بها في الحرام ما أفعله بزوجتى في الحلال أي معرفة أبعاد الفعل.
وإذا أخذنا المعنى الثالث المستخدم في الرواية المنسوبة للإمام الشافعس: وهو قوله - في زعمهم – " من لم يتزوج مصرية فليسى بمحصن ". وهذا بالطبع لا فقه ولا حتي جد .. وإنَّما لو قاله فعلي سمبيل المزاح، وتحية لمصر التي استضافته، وألمعية في معرفة أنَّ كسب رضاء المرأة يغني عن سائر الجهود مع السلطة والمجتمع...
ولكن المهم هنا، هو استخدام اللفظ، فالمعنى المقصود أنَّه لم تشبع حاجته تمامًا.. .
وبالتالى فلا نستطيع القول إاحصان اللوطس لو تزوج، لأنَّ شهوته لا تنطفىء بالزواج من امرأة، خاصة إذا كان سلبيًا، وإنْ كان الزواج في بعض الحالات يساعد علي العصمة. كذلك فإنَّ مفهوم الرابطة الزوجية لا ينعكس بشكل واضح علي علاقة اللواط. ومن ثمّ ذهبنا إلي أنَّ اللوطي لا يُمكن أنْ يكون محصنًا، إلا من ناحية واحدة، وهي خيانة الزوج أو الزوجة إذ يفترض في الحياة الزوجية، الاتفاق أو التعاقد علي المشاركة الكاملة الجسدية والنفسية. ومن ثم فمن حق الحاكم أن يُشدّد أكثر في عقوبة اللوطي المتزوج....
علي أيّة حال، فإنَّ هذه الأسئلة تنبع من حقيقة أنَّ الإسلام أدان هذا الفعل أشنع إدانة، لم يفرض فيه حدًا...
لماذا كان وعده – سبحانه وتعالي – بالولدان المخلدون في الجنة؟
ثم نأتي لهذه الخاطرة، وهى تفسير وعده سبحانه وتعالى للمؤمنين بولدان وغلمان فى الجنة: " مخلدون " وغاية في الجمال والنضارة.
وقد ورد ذلك في ثلاثة: الطور والواقعة والإنسان... قال سبحانه وتعالي:
" وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ {10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ {11} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ {12} ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ {13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ {14} عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ {15} مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ {16} يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ {17} بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ {18} لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ {19} وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ {20} وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ {21} وَحُورٌ عِينٌ {22} كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ {23} جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {24} لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً {25} إِلا قِيلاً سَلاماً سَلاماً {26} وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ {27} فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ {28} وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ {29} وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ {30} وَمَاء مَّسْكُوبٍ {31} وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ {32} لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ {33} وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ {34} إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء {35} فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً {36} عُرُباً أَتْرَاباً {37} لأَصْحَابِ الْيَمِينِ {38} ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ {39} وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ {40} " (الواقعة 10-40).
ولا أظن أنَّ أحدًا يستطيع المجادلة في أنَّ " الولدان " هنا هم غلمان. وأنهم يعرضون في مجال النعيم والتلذذ.. بجمالهم، كجزاء حسن للمؤمنين، مثلهم مثل الأباريق والخمر والفاكهة والطير، وحور العين، كلها للمتعة بما فيها من حُسْن. وإذا كان " الولدان " و " وحور العين " هما الكائنان العاقلان؛ وحور العين، ثابت في الأثر وبنصّ القرآن، أنهن للاستمتاع الجنسي. وكل الفرق في الآية بينهن وبين الولدان، رهو أنَّ حور العين لؤلؤ مكنون والوالدان " لؤلؤ منثور " والمفسرون رضي الله عنهم قرّروا أنَّ اللؤلؤ المثور أكثر جمالاً من المكنون. وإنْ كان " المكنون " أكثر صيانة، وأكثر إثارة للخاطر، إلاَّ أنَّ الله سبحانه وتعالي قد آثر هؤلاء الغلمان بالجمالين. المكنون والمنثور .. فقال عنهم في سورة الطور:
" وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ " (الطور24).
قال ابن عباس " سرر منسوجة بالذهب، مرصّعة بالدر، متكئين عليها. أي حال كونهم مضطجعين علي تلك الأسرة، شأن المنعّمين المترفين " ( لاحظ إقران " الولدان " والتمتّع بهم دائمًا مع الترف الشديد ج ) متقابلين، أي وجوه بعضهم إلي بعض. ليس أحد وراء أحد، وهذا أدخل في السرور، وأكمل في آداب الجلوس. ويدور عليهم للخدمة أطفال ( نعترض هنا فالله سبحانه وتعالي يقول ولدان وغلمان والولد أو الغلام غير الطفل ج ) في نضارة الصبا لا يموتون ولا يهرمون قال ابن حيان: وصفوا بالخلد، وإنْ كان كل من في الجنة مخلدًا ليدل علي أنَّهم يبقون دائمًا في سن الولدان ( الولدنه كما يقول الشوام واللبنانيون ج ) لا يتحولون ولا يكبرون. كما وصفهم جلَّ وعلا (صفوة التفاسير. محمد علي الصابوني عن البحر المحيط )..
وفي سورة الإنسان، وتأمّل حكمة اسم الآية!.. .
" وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً {12} مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً {13}
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً {14}
وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا {15} قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً {16} وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً {17} عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً {18} وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً {19} وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً {20} عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً {21} إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً {22} " (الإنسان 12-22)
قال المفسّرون: مضطجعون علي الأسرّة المزينة بفاخر الثياب والستور، وإنّما خصّهم بهذه الحالة لأنَّها أتمّ حالات النعيم. " أي غلمان يُنشئهم الله تعالي لخدمة المؤمنين ( مخلدون ) أي دائمون علي ماهم عليه من الطراوة والبهاء. قال القرطبي أي باقون علي ما هم عليه من الشباب والنضارة، والغضاضة والحُسن، لا يهرمون ولا يتغيّرون ويكونون علي سنّ واحدة علي مرّ الأزمنة ( تفسير القرطبي ) إذا نظرتهم منتشرين في الجنة لخدمة أهلها، خلتهم لحسنهم وصفاء ألوانهم وإشراق وجوههم كأنهم اللؤلؤ. وقال الرازي هذا من التشبيه العجيب لأنَّ اللؤلؤ إذا كان متفرقًا يكون أحسن في المنظر لوقوع بعضه علي بعض فيكون أروع وأبدع. ( التفسير الكبير ).
وجاء فى تفسير الرازى :
يطوف عليهم ولدان مخلدون فيها وجهان؛ أحدهما أنَّه علي الأصل وهم صغار المؤمنين وهو ضعيف؛ لأنَّ صغار المؤمنين أخبر الله تعالى أنَّه يُلحقهم بآبائهم، وقيل أنهم صغار الكفار وهو أقرب من الأول.
والثانى أنهم صغار بصرف النظر عن كونهم مولودين . . مخلدون لا يتغيّرون عن حالهم ويبقون صغارًا دائمًا لا يكبرون ولا يلتحون ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون.
وقوله ( لهم ) أي ملكهم إعلامًا بقدرتهم علي التصرف فيهم بالأمر والنهي والاستخدام وهذا هو المشهور وأضاف الشارح في الهامش اللام في اسم للملك أو التخصيص أي لا كسقاة الخير فى الدنيا يسقون كل شارب؛ ويستجيبون لكل طالب.
... وقوله تعالى: " كأنهم لؤلؤ " أي في الصفاء و( مكنون ) ليفيد زيادة في صفاء ألوانهم أو لبيان أنهم كالمخدرات لا بروز لهم ولا خروج من عندهم فهم في أكنافهم.
قال الشاعر:
لا شئ أحسن منه حين تبصره.. كأنَّه من جنان الخلد قد سرقا!
والسؤال الثاني السوار إنما يليق بالنساء وهو عيب للرجال فكيف ذكر الله تعالي ذلك في معرض الترغيب؟ الجواب أهل الجنة مرد شباب فلا يبعد أن يحلو ذهب وفضة وإن كانوا رجالاً.
ثلة لم ترد في القرآن كله إلاَّ ثلاث مرات كلها في صورة الواقعة وعند الحديث عن هذه الفئة المُنعّمة بالغلمان والأساور .. إلخ وهي تفيد أنهم قلة والحمد لله ؟؟.. .
وإذا كان ابن عباس رضى الله عنه، في صدر الإسلام، ومناخ الطهارة، قد فسرهم بأنَّهم أطفال فإن المفسرين فى العصور المتقدمة، ومع تطوّر المعرفة بالنفس البشرية، وظهور هذا الميل، ركّزوا علي اللفظ القرآني وهو : ولدان، أو غلمان كما قال القرطبي.
فإننا نضيف اليوم أنَّ هذه السورة نزلت في هؤلاء الذين ابتلاهم الله فصبروا وعفّوا، الذين قالوا علي لسان الله سبحانه وتعالي في مطلع الآية " إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُوراً {9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً {10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً {11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً {12} مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً {13} " ( الإنسان 9-13) إلي آخر الآية التي أوردناها...
أمَّا في سورة " الطور " فقال جل وعز من قائل:
" تَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ {20} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {21} وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ {22} يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ {23} وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ {24} وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ {25} قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ {26} فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ {27} إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ {28} فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ {29} " ( الطور20-29).
من سرد الآيات، نلاحظ أنَّ أهل هذا النعيم. لهم صفات خاصة، هي الترف الشديد، ولبس الحرير والأساور .. وهى صفات هذه الفئة، ونلاحظ أنَّ كلمة " تأثيم " وردت مرتين في القرآن فقط. والمرتان وردتا في الحديث عن هؤلاء المستمتعين بالولدان أو الغلمان .. ولا مجال للحديث في الجنة عن الإثم أو التعرض للتأثيم من الجماعة، إلاَّ في هذه المتعة، التى مهما قيل عن الجنة، يظل في نفس البعض شعور بالحرج منها، ورغبة في تأثيم فاعلها، ولذلك طمأنهم العزيز الحكيم أنَّهم لن يسمعوا فيها لغوًا ولا تأثيمًا.
بل من حقنا أنْ نفسّر قوله تعالى ... غلمان لهم ... بأنَّهم غلمانهم في الدنيا، الذين عفّوا، وتأثّموا، وصانوهم هم عن الفاحشة فاجتمعوا في الجنة، في خلود داثم للحظة الرغبة التى كُبحت بالتديّن!!!!
واذا كان المفسرون قد اتفقوا على دوام صفة الولدنه أو خلودهم في سن الغلمان، فقد استنتجنا أنَّ الحكمة في النصّ علي الخلود، هي تأكيد مصدر المتعة في هؤلاء الغلمان لمن يشتهيهم، ودوامها. بعكس ما في الدنيا من زوال الفتنة بدخول الغلام سن الرجولة .. ففى الجنة " لن تنبت لحية شقران " أبدًا حتى ينجز وعده لمن أشفق في أهله، وخاف من ربه يومًا عبوسًا قمطريرًا. فوقاه ربه شرّ هذا اليوم، وجزاه " بما صبر " جنة وحريرًا والولدان المخلدين، مع ثياب سندس واستبرق وأساور من فضة .. أى هيين أو بانك .. إلخ ما يشاء مما اشتهى في الدنيا، وحرم نفسه مخافة ربه.
وربما يسهل الأمر علينا لو فهمنا هذه الحقائق:
1- من الخطأ تقييم الحياة الأخري بمقاييس وأحكام هذه الحياة التى نعيشها فهذه دار العمل الصالح والطالح، دار المحاسبة، دار الفناء، دار التعامل مع النفس والناس بما يفيد ويضرّ .. أمَّا هناك فدار الجزاء فقط، ما من عمل هناك يفيد أو يضرّ، ولا من عمل يُحاسب عليه الإنسان، دار " الخلود " المطلق، وهي كلمة مهما حاول الفاني أن يصورها أو يقربها إلى مفهومه، فلا يُمكن أنْ يُحيط بأبعاد الخلود، إنَّه تعبير لا يمكن فهم بعضه إلاَّ بنسبته إلي ضدّه! ...
ولا شكّ أنَّ ممارسة الخلود ستخلق قيمها ومقاييسها، كذلك لا يُوجد في الجنة أو النار شرّ ولاخير .. لأنَّ الشر والخير هو بما يعود عليك أي بنتيجة العمل، وهذه غير متاحة في عالم الخلود، فلا شىء يضرّك ولا تستطيع الإضرار بأحد فكيف يكون الفعل شريرًا ؟!!!. وبالتالي فلاخير وإنّما هناك لذيذ وألذ....
2- كل المحرّمات في هذه إلأرض تسقط في الأخرة، فقد وعدنا بالخمر وإنْ كانت أفضل من خمر هذه الأرض فهي لا تسبب صداعًا ولا عطشًا .. وحور العين بلا عدد، ولا أظن أنَّ هناك سببا مثل اختلاط الأنساب أو الأمراض أو الفاحشة ... إلخ يبرر تحريم التمتّع بهن علي نحو يختلف عما في دار الفناء هذه كذلك نظنّ أنَّ هذا التمتّع ليس بقاصر علي المؤمنين من الرجال وحدهم! كذلك فإنَّ وعد
الرحمن " فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ " (سورة الأنبياء102) " نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ " (سورة فصلت31) " يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " (سورة الزخرف71)
هذا الإطلاق الإلهي لا يجوز أنْ يُحدّ بمزاج أو أخلاقيات فرد في هذه الدنيا، ولا حتّي جماعة.. وإليك بعض ما نظنّه من الغرائب ولكنّه منطقي للغاية مع فكرة الجنة أو الخلود بلا حساب ولا عقاب، ولا أسباب ولا قوانين مما تحكم حياتنا الفانية:
قال رسول الله: إنَّ الرجل من أهل الجنة يولد له الولد كما يشتهى يكون حمله وفصاله وشبابه في ساعة واحدة أحرجه ابن ماجة والترمذى وقال حسن غريب ( إحياء علوم الدين للغزالى ج 4 ص542 الغزالي ).
وقال سعيد بن المسيب " ليس أحد من أهل الجنة إلاَّ في يده ثلاثة أسورة .. سوار من ذهب وسوار من لؤلؤ وسوار من فضة " ( ص 543 الإحياء ).
وقال الغزالي في إحياء علوم الدين: " إيّاك أنْ تنكر شيئًا من عجائب يوم القيامة؛ لمخالفته قياس ما في الدنيا ".
وقال في وصف الجنة:
فنفكر في أهل الجنة وفي وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم؛ جالسين علي منابر الياقوت الأحمر فى خيام من اللؤلؤ الرطب الأبيض: فيها بسط من العبقرى الأخضر؛ متكئين علي الأرائك منصوبة علئ أطراف أنهر مطردة بالخمر والعسل؛ محفوفة بالغلمان والولدان مزينة بالحور العين من الخيرات الحسان كأنهن الياقوت والمرجان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان يمشين في درجات الجنان؛ إذا اختالت إحداهن في مشيها حمل أعطافها سبعون ألفا من الولدان، شكلات غنجات عطرات آمنات من الهرم والبؤس، ويطوف عليهم، خدام وولدان كأمثال اللؤلؤ المكنون؛ يشربون من أنهارها لبنًا وخمرًا وعسلاً في أنهار أراضيها من فضة مرصعة بالدر والياقوت والمرجان في كفّ خادم يحكي ضياء وجهه الشمس في إشراقها ولكن من أين للشمس حلاوة مثلا حلاوة صورته وحسن أصداغه وملاحة أحداقه.
والغزالي هو القائل في الإحياء إنَّ الشرّ في الصبيان أكثر فلو مال إلي امرأة أمكنه الوصول إلى استباحتها بالنكاح. ( الزواج ) والنظر إلى وجه الصبي حرام بل كل ما يتأثر قلبه بجمال صورة الأمرد بحيث يدرك التفرقة بينه وبين الملتحى لم يحل له النظر إليه فإن قلت كل ذي حس يدرك التفرقة بين الجميل والقبيح لا محالة؛ ولم تزل وجوه الصبيان مكشوفة! فأقول لست أعني التفرقة بين شجرة خضراء وأخرى يابسة وبين ماء صاف وماء كدر وبين شجرة عليها أزهارها وأنوارها وشجرة تساقطت أوراقها: فإنه يميل إلى إحداهما بعينه وطبعه ولكن ميلاً خاليًا عن الشهوة، ولأجل ذلك لا يشتهي ملامسة الأزهار والأنوار وتقبيلها ولا تقبيل الماء الصافي، وكذلك الشيبة الحسنة قد تميل العين إليها وتدرك التفرقة بينها وبين الوجه القبيح، ولكنها تفرقة لا شهوة فيها ويُعرف ذلك بميل النفس إلي القرب والملامسة فمهما وجد ذلك الميل في قلبه وأدرك تفرقة بين الوجه الجميل وبين النبات الحسن والأثواب المنقشة والسقوف المذهبة.
فهل يا ترى يرى الغزالي أنَّ استمتاع أهل الجنة بحسن هذا الغلام الذي أبدع في وصف جمال أصداغة وأحداقه هو من نوع استمتاعهم بالشجر والماء والثوب المنقوش..إلخ؟...
وكان الغزالي قد أورد في بداية هذا الحديث خبرًا عن منصور بن اسماعيل قال رأيت عبد الله البزار في النوم فقلت ما فعل الله بك؟ قال أوقفي ين يديه فغفر كل ذنب أقررت به إلا ذنبًا واحدًا فإننى استحييت أن أقر به فأوقفي في العرق حتى سقط لحم وجهي فقلت ما كان ذلك الذنب ؟ قال نظر ت إلي غلام جميل فاستحسنته...
وما دامه النظر لهذا الجمال في وجوه الغلمان لابد أن يثير الشهوة لمن ابتلى بذلك وهو ذنب يستحق أنْ يذيب لحم وجه المؤمن العابد كما قال فلماذا ينعم على المرضي عنهم بغلمان يفوق جمالهم كل جمال استهواه في الدنيا؟!.
لماذا النصّ علي أنهم غلمان وولدان .. وإذا كانت الغاية هي الخدمة الحسنة والمنظر الجميل .. فلماذا لم يكونوا ملائكة؟ وهل أجمل أو أبهي من الملائكة؟ وهل أقدر على الإبداع في الخدمة من ملاك؟ وهل من تكريم أكبر من أن تخدم ملائكة ذلك الذي خلق من ماء مهين وصلصال وطين؟ ليس للغلمان من صفة يتميّزون بها علي الملائكة في الخدمة والجمال والتكريم إلاَّ أنَّ الملائكة كائنات غير جنسية مثلهم مثل الورد والأشجار والبسط المبثوثة .. من هنا نذهب للقول بأنَّ لهؤلاء الغلمان مهمة خاصة استلزمت إنسانيتهم...
وعن أبي هريرة قال رسول الله: " من سرَّه أنْ يسقيه الله عز وجل الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا ومن سرّه أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا ". أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن وللنسائي بإسناد صحيح: " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الاخرة؛ ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ".
فالحرير والخمر محرّمان في الدنيا مباحان بل ونعمة ينعم الله بها في الآخرة علي من يلتزم حكمه ونهيه في الدنيا ولا تسأل لماذا تكون محرّمة في الدنيا مباخة في الآخرة، فكما قال الغزالى في إحياء علوم الدين: إياك أن ت،كر شيئًا من عجائب القيامة لمخالفته قياس الدنيا.
وقد طلب الإعرابي من رسول الله أنء يضمن له الإبل في الجنة لأنَّه يحبها فقال: ياعبد الله إنْ دخلت الجنة فلك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عيناك. أاخرجه الترمذي من حديث بريدة. فلماذا نضع فيتو على اشتهاء معين ونقول أنَّه محظور في الجنة والله يقول : " َلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ " (سورة فصلت31).
بل لقد وجدت حديثًا عجيبًا نقله الغزالى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخرجه الترمذي قال رسول الله – ص -: " إنَّ في الجنة سوقًا ما فيها بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها "!
وهو حديث عجيب معناه أنَّ الرجل أو المرأة كلاهما يستطيع أنْ يغير صورته أو صورتها، إلي نفس النوع ولكن أجمل وأبهي، وأيضًا أنَّ الرجل الذي يشتهى أن يكون إمرأة أو يحسّ بأحاسيس المرأة، يستطيع إنْ كان من أهل الجنة تحقيق رغبته بزيارة هذه السوق، والعكس صحيح للمرأة .. فهني~ًا للصابرين والصابرات المتعففين في هذه الدنيا والمتعففات.
ولا أستطيع أنْ أبتعد عن سوق الرحمة هذه من غير أن أعرج على رواية أوردها الغزالى نفسه وكأنَّ في خاطره هو أيضًا حديث السوق هذه .. قال الإمام الغفزالي: " روي عن عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفى؛ قال رأيت ثلاثة رجال وامرأة يحملون جنازة فقلت للمرأة من كان هذا ؟ قالت ابني .. قلت ولم يكن لكم جيران ؟ قالت بلى ولكن صغّروا أمره! قلت لماذا ؟ قالت لأنَّه كان مخنثًا .. قال فرحمتها وذهبت بها إلي منزلي وأعطيتها دراهم. قال فرأيت تاك الليلة كأنه أتاني كأنه القمر ليلة البدر وعليه ثياب بيض؟ فجعل يتشكرني فقلت من أنت ؟ فقال المخنث الذي دفنتموني اليوم رحمني ربي باحتقار الناس إياي ( الغزالي ج 4من الإحياء ).
لعلّ الغزالى قد ترك مخنثه هذا يرتع في سوتى الصور يدخل فيما شاء من صور الرجال والنساء ولا يسمع لغوًا ولا تأثيمًا لما يتقلب فيه بما غفر الله له ورحم.
وأيه محاولة لانكار تفسيرنا لطبيعة هؤلاء الغلمان ستنتهي بصاحبها إلي إنكار الطابع الحسي لجنتنا واقتباس التصور المسيحي عن جنة روحية لا أجساد فيها ولا اشتهاء ولا متع حسية. وهذا ما سقط فيه المنهزمون أمام الحملة التبشيرية التي ركزت علي نقد وصف جنتنا باتهام رخيص هو أنها جنة شهوانية حسية نأكل فيها
نمارس الجنس كأن هذا عيب أو لا يليق!! ومع اتفاقنا بأنَّ قدرة الله لا يحدّها مستحيل ولا يحدّدها تصوّر المخلوق الفاني إلاَّ أننا أمام نصوص صريحة تؤكّد أنَّ الجزاء سيكون بصورة ما مِنْ نفس العمل فسنُعوّض في الآخرة عمّا حُرِمْنا منه أو ما تِعَففنا عنه أو ما أحسنّا شكر نعمته ولامجال لأيّ خجل أو استخزاء من ناحية المطالب الحسّية للجسد كما يفعل صرعي الحضارة الغربية فليس في الجسد عيب ولا قباحة ولا في تلبية احتياجاته وشهواته المشروعة في هذه الدنيا ولا في التطلع لنعمة الجسد بلا حدّ في الآخرة.
وأقدم هنا مثالاً لمن أفزعه تفسير الغلمان فاضطر إلي إلغاء كل المتع الحسّية في الجنة وتبني التصوّر المسيحيّ عن متع الروح وهو " مولانا محمد علي "( اسمه هكذا مولانا .. ج ) مؤلف كتاب " الدين الإسلامي في الأصول والعقائد " اقتبسه من الأصل الإنجليزي إلي العربية محمد سعيد أحمد بك - مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1951 قال:
" كل هذه أسماء أشياء في الدنيا وليس منها في الجنة إلا الأسماء وإنما وردت لتصوّر لنا النعيم الذي يلقاه الإنسان في الآخرة أمّا حقيقتها فهي مما لا يعلمه إنسان لقصور حواسه عن إدراكها. وإنّما جاءت أوصاف الجنة علي سبيل المثال؛ وكل شيء في الآخرة يختلف عنه في الدنيا حتي الزمان والمكان فإنهما يختلفان عن زماننا ومكاننا. فقد جاء أنَّ الجنة عرضها كعرض السموات والأرض ويقربنا هذا من قول من قال إنَّ الجنة والنار حالتان وليستا بمكانين ..
" ومثل ذلك ما جاء عن اقتران الرجال بالنساء في الجنة؛ وقد فهم بعض الناس خطأ أنَّ لهذا الاقتران معني جنسي ( !؟! ج ) وقد جاء في الراغب أنَّ قوله تعالى:
" زوجناهم بحور " أي قرناهم بهن ولم يقل زوجناهم حورًا كما يقال زوجته امرأة تنبيهًا إلي أنَّ ذلك لا يكون علي حسب المتعارف بيننا من أمر الزواج. وأنَّ في الصلة الجنسية بين الرجل والمرأة في هذه الحياة الدنيا استجابة لداعي الطبيعية واستعمار الأرض وحفظ النوع .. وليس هذا هو المقصود في الآخرة حيث لا ضرورة لذلك هناك!! ( ألغى اللذة الجنسية وهي التي قال ابن القيم أنَّها وحدها التي ستبقى في الآخرة ولكن ابن القيم لم يكن يدافع منهزمًا أمام المبشرين ج ). وعلي ذلك فاقتران الرجال بالنساء في الجنة له معني آخر يختلف عن المعني المتعارف بيننا .. ولنعرض للحور العين لنبيّن إذا كان المراد بهن أزواج أهل الجنة أم غيرهن فقد جاء في القرآن بعد الإشارة إلي الحور العين آيات متصلة بها وهي قوله تعالى: " إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لأَصْحَابِ الْيَمِينِ " (سورة الواقعة38). وقد جاء عن النبي أنه قال: " إنَّ المنشآت اللاتي كن في الدنيا عجائز عمشا رمصًا .. وعلي ذلك يكون المقصود من الآية أنَّ النساء العجائز في هذه الدنيا ينشأن نشأ آخر يوم القيامة ويصرن أبكارًا.. ولو فسرنا الحور علي أنَّهن نساء غير نساء الدنيا أنشئن لنعيم الرجل ولذته لكان حقًا علي الله أنْ يُنشيء رجالاً لاستمتاع نساء أهل الجنة حيث أنّهن لا يختلفت في طبائعهن عن الرجال فكان من حقهن أن يحظين بما تحظى به الرجال في الجنة. ( ومن أخبرك أنَّ الله لا يفعل أم تظن أن غيرتك وعنجهيتك كرجل هي وحدها التي ستبقي علي حالها من أحاسيس الدنيا؟ بل لعلّ ذلك هي الحكمة الإلهية في خلق هذه الكائنات غير الآدمية لكي لا تغير منهن نساء الدنيا ولا يغير منهن رجال الدنيا وإلاَّ فقد كان في قدرته سبحانه وتعالي أنْ يخلق ما شاء من النساء فلماذا الحور ونحن لا نعرف بعد لذة الإستمتاع بها جنسيًا؟ أمأ أنَّ القرآن لم يصرح بحور عين مذكرين فذلك مراعاة لعقول الناس ونفسياتهم وها أنت بعد 15 قرنًا ما زلت تستعيذ أنْ تتمتع زوجتك في الجنة ولو مع كائن غير بشري... فماذا عن عرب الجاهلية؟
يقـول:
" والحقيقة أن نعيم الجنة لا يُدرك كنهه أحد وأنَّ ماجاء في القرأن عن هذا النعيم ليس فيه أي معنى شثهواني وأنَّ ما ورد عن الحور إنّما هو يرمز إلي الطهر تشبيها بالبياض ونعيم الروح ".
مولانا تنصر ها هو يتحدث عن زواج كزواج الراهب بالسيدة مريم أو زواج الراهبة باليد المسيح .. ج!!
ويتابع إلي بيت القصيد فيقول:
" وما قيل عن الحور يقال عن الغلمان: وقيل في تفسير الآية الأولي " غلمان لهم " أنَّ الغلمان هم أولاد المؤمنين في الجنة وعبر عنهم بقوله تعالى: " غلمان لهم - أي أولادهم " مولانا الهندي يعتقد أنَّه أقدر علي التعبير من القرآن .. وإلا لسأل نفسه ولماذا لم يقل القرآن أولادهم أو غلمانهم كما قال هو ؟؟ ج ) ويدل علي ذلك ما جاء في آية سابقة لها من أن الله تعالي يلحق بالذين آمنوا ذريتهم في الجنة قال تعالي: " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " وقد أوردنا رد المفسرين علي هذا القول ج ).
" وقد يجوز أنَّ المقصود بالغلمان والولدان أنَّهم من نعيم الجنة علي أنهم رمز للطهر ونعيم الروح كما ذكرنا عن الحور ".
علي أيّة حال مولانا اضطر للتسليم بوجهة نظرنا فساوي بين الغلمان وحور العين فهو أولاً تخلّى عن تفسير أولادهم وثانيًا جعلهم للاستمتاع والنعيم مثل حور العين. ومن الناحية النظرية نحن لا نعارض، فكما قلنا كلّ تفسيرات الجنة محدودة بقدرتنا علي التصوّر أو إن شثت بقدرتنا علي الاشتهاء ..
وكما أنَّ المؤمن السوي يستمتع بأنثى اسمها حور عين فكذلك من ابتلي بهوى الغلمان في الدنيا وعفّ وما تخطى حدود الله يمتّعه الله بكائنات مذكّرة اسمها الولدان المخلدون أمّا أنْ يستمتعا روحيًا أو جسديًا فهذه مزاجات شخصية لا نتدخل فيها.
إنَّ اللواط كما شرحنا، وبالذات عشق الغلام الأمرد، في رأي بعض الدراسات، هو مرحلة في حياة الكثيرين، رغم إرادتهم، وقد " تثبت " في ذوق البعض إلي ما بعد مرحلة المراهقة. ويعتقد الأطباء أنّ نسبة من الذكور تولد ولديها ميل قوي نحو الجنس المماثل .. ولكن الإنسان لا يُفترض فيه - من وجهة نظر الأديان - أن يخضع لشهوته أو حتى لغريزته وإلا فإن كل إنسان تشاجر أو اختصم تمنى بحكم الغريزة لو أطبق علي عنق غريمه وقضمه، كما يفعل النمر في البقرة .. وما من رجل لم تحدثه نفسه - ولو مرة - بمضاجعة امرأة جميلة أثارت خياله، وكثيرون يتمنون لو أنهم استطاعوا نقل البنك الأهلي إلي ملكيتهم لولا خوفهم من القانون، فما هو غريزي لا يعني أنه مشروع أو محتوم. وما ميزة الإنسان علي الحيوان والملائكة إلا قدرته في ضبط غرائزه.. .
فالذي كبح شهوته، وصان عفته، وحفظ فرجه، ألا يستحق الجزاء؟! وما الجزاء إلاَّ أنْ ينال في الجنة ما اشتهى وأفضل ؟.. .
فكما أنَّ " حور العين " جزاء من إشتهى الزنا ولم يقربه من خشية الله، فكذلك " الولدان " جزاء من إشتهي وعفّ ..
والله أعلم!! .
أما عن الجانب الحضاري، فقد وضحنا أنّها ظاهرة لا يمكن أنْ توجد ولا يمكن أن يُسمح بها في مرحلة التحدي الحضاري، في مرحلة تحرر الأمم وبناء حضارتها. فالخصائص والمقاييس المطلوبة في فتيان الفراش، غير خصائص المجاهدين وفتية التحرير والاستشهاد .. ولا أهمية للأمثلة الشاذة، فنحن نتحدّث عن مقاييس وعلاقات ومفاهيم .. واللواط كفاحشة أو كمسلك حضاري لا يمكن أن يستقيم مع احتياجات ومواصفات حركة تحرير أو بعث .. .
فالعفة مطلوبة، وجزاؤها التحرّر والقوة في الدنيا .. والجنة ونعيمها بحورها وولدانها أو ما شثت مما لا عين رأت ولا أذن سمعت .. في الآخرة .. .
إن شاء الله ..
منقول من كتاب .. خواطر مسلم في المسألة الجنسية
رااااااااائع هذا بالنسبة للمثلى المتعفف اللهم اجعلنا منهم وقدرنا على فعل ذلك آميييين
ReplyDelete