30 May 2011

لماذا لا يريد «الإخوان المسلمون» الرئاسة ؟


لماذا لا يريد «الإخوان المسلمون» الترشح للرئاسة في مصر مباشرة بعد الثورة؟ ولماذا قال المرشد إن من يترشح للرئاسة من «الإخوان» سيتم فصله من الجماعة؟ رئاسة مصر بالطبع عليها مسؤوليات دولية وداخلية، وأولى هذه المسؤوليات هي أن الرئيس القادم لا بد أن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي في إطار السلام القائم بين مصر وإسرائيل، و«الإخوان» يريدون أن ينتقدوا المعاهدة مدعين تفوقا أخلاقيا على من أبرموها. فـ«الإخوان» يفضلون أن يجلسوا في مقاعد النقد من أجل كسب شعبية تلفزيونية على أن يتحملوا مسؤوليات سياسية واجتماعية كبرى، ومع الرئاسة تأتي هذه المسؤوليات الضخمة. فرئيس مصر مثلا لا بد أن يتعامل مع البطالة ومع ديون مصر ومع المجتمع الدولي، وكذلك مع الملفات الإقليمية المختلفة، كل هذا يتطلب سياسة وتخطيطا، وحتى الآن لا نعرف عن «الإخوان» قدرة على السياسة أو التخطيط.

بقي «الإخوان» طوال عمرهم كمنظمة في صفوف المعارضة، يمارسون النقد أو رمي العصا في العجلة، أما أن يركبوا العجلة ويسيروا بها ويحتفظوا بأنفسهم فوقها من دون أن تنقلب بهم فهذا يحتاج إلى تدريب طويل. البقاء في المعارضة فترات طويلة خطر من ناحيتين؛ الناحية الأولى هي أن المعارضة تدريجيا تبدأ في التماهي مع النظام، أي أنها تعارضه طول الخط فتصبح شبهه، كالنظرية الحديثة التي تقول إن وجوه الكلاب تشبه وجوه أصحابها من طول العشرة. هكذا الأنظمة تنتج معارضات تشبهها، وفي ذلك لن يكون نظام «الإخوان» مختلفا عن النظام السابق. أما النقطة الثانية فهي أن المعارضة لفترة طويلة تعلم الناس أن يقولوا لا على طول الخط، أي تضعهم في خانة التفكير السلبي، لا يقولون نعم لأن نعم تتطلب تخطيطا بعدها وتبعات سياسية تكلف «الإخوان» في مشروع دولتهم الدينية.

بالطبع ليس معنى أن «الإخوان» لا يفضلون الرئاسة الآن أنهم عازفون عنها، وزاهدون بها، فالواضح أن «الإخوان»، ومن بعد نجاح الثورة، كل تركيزهم ينصب على تكتيف الوطن دستوريا وتشريعيا، فهم من وضعوا التعديلات الدستورية وأقنعوا المجلس العسكري بطرحها للاستفتاء.. وهم أيضا من وضعوا الإعلان الدستوري المعيب الذي تحكم به البلاد الآن.. وهم أيضا من وضعوا الجدول الزمني للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة. فالانتخابات التي سوف تحدث في سبتمبر (أيلول) المقبل تجعل التفوق من نصيب «الإخوان»، لأن الأحزاب الجديدة لم تتشكل بعد، ولا يسعفها الوقت أن تكون لها شعبية في الشارع. إذن سيكون أول برلمان بعد الثورة إخوانيا، وبهذا يُشرَّع في البرلمان - وديمقراطيا - لثيوقراطية مصر القادمة، أي بالديمقراطية سيحقق «الإخوان» دولتهم الدينية. لذا هم يركزون على الدور التشريعي الآن من أجل تكتيف الوطن وتربيطه أو أخذه أسيرا باسم القانون والتشريع الديمقراطي، أما الرئاسة فكل مصافحة لرئيس إسرائيلي ستأكل من رصيدهم في الشارع، ومن هنا فهم لا يفضلون الرئاسة الآن.

ما خرج من الجامع يبدو أنه سيعود إلى الجامع، بمعنى أن الثورة المصرية التي تدريجيا بدأ الناس يقنعون أنفسهم بأنها تخرج من الجامع كل جمعة يبدو أنها ستعود أيضا إلى الجامع من خلال دولة دينية يتبناها «الإخوان» خطوة خطوة ومن دون تكاليف سياسية تذكر. سعدت بالأمس عندما كانت هناك مظاهرات حاشدة في مصر رغم مقاطعة «الإخوان» والسلفيين لها، وهي رسالة للمجلس العسكري الحاكم بأن الثورة لم تكن ثورة «الإخوان»، وأن «الإخوان» ليسوا القوى الوحيدة المنظمة في مصر كما صوروا للمجلس. مصر أكبر من «الإخوان»، مصر بلد متنوع عرقيا وثقافيا وجغرافيا على عكس ما كانت تدعي مدرسة مصر الكيان الوحيد المتجانس.. مصر ليست كيانا متجانسا رغم كل المغالطات. ورغم فرحتي بالمليونية الأخيرة فإنها ما زالت مليونية يوم الجمعة المرتبطة بالعمل الديني. نريد مليونية في يوم آخر، مليونية تقول إن ما يحدث هو سياسة وليس خطبة جمعة على طريقة إيران الخمينية التي ارتبطت فيها السياسة ارتباطا عضويا بخطبة الجمعة. نريد مصر خطبة السبت أو الأحد أو الثلاثاء أو الخميس، وليس الجمعة على طول الخط.

«الإخوان» يأخذون مصر رهينة ولكن بالتدريج على طريقة الخطوة خطوة، والمجلس العسكري يوافقهم ليس من باب المشاركة الآيديولوجية ولكن لأن «الإخوان» هم من استقبلوا المجلس كما يستقبل سائقو التاكسي السائح القادم من المطار، يفسحونه حسب جدولهم، ويفعلون ما يريدونه هم لا ما يريد السائح، ويصدق السائح أن مصر التي فرجه عليها السائق هي مصر الأصلية، كل مصر، لا نقصان ولا زيادة هناك.

«الإخوان» لا يريدون الرئاسة الآن لسببين؛ الأول أنهم لا يريدون لمشروعهم أن يكون على المكشوف لهذه الدرجة، فهم يفضلون الوضع القائم، أن يحكموا من وراء ستار المجلس العسكري، والثاني أنهم لا يريدون أن يدفعوا أي ثمن سياسي للدور الذي يلعبه رئيس مصر القادم.. هم يريدون المغانم من دون دفع المغارم، بلغة «الإخوان» أنفسهم.


منقول من هنا


No comments:

Post a Comment