هكذا تقف شهرزاد في مواجهة شهريار ... كما يتصدى البطل للبطل النقيض ، و الفكرة للفكرة المضادة . و تؤدى شهرزاد دور المنقذ لبنى جنسها ... و تبدأ شهرزاد فعل القص فى أعقاب فعل الجنس ، كما لو كانت تتبادل و شهريار الأدوار ... و يمضى القص تحت راية الخيال ... و يستغرق الملك ، شيئا فشيئا ، فى دنيا الحكايات التى تصله بأقرانه الشر خارج حدود الزمان و المكان و اللغة ، متطلعا إلى المزيد من المعرفة بما لا يعرف ، ساعيا إلى اقتحام العوالم التى كان يجهلها ، متعرفا بين حكاية و أخرى نموذجا أنثويا جديدا ، يكشف بعدا مغايرا من أبعاد شهرزاد ... فيزداد اقترابا من معناها و استيعابا للرسائل الأخلاقية الاجتماعبة المعرفية التى تؤديها أمثولتها .
فيخرج كائنا جديدا ، متوهجا بالمعرفة ، متوجا بالحكمة ، بعد أن عانى طقس التحول الذى عاناه غيره من أبطال الحكايات التى يسمعها ، فينتقل من صورة الفحل إلى صورة الإنسان ، و من شهوة الغريزة المفضية إلى الموت إلى متعة الجنس الذى يؤدى إلى الحياة فى تواصلها الخلاق ، و آية ذلك أن الحكى لا ينتهى ، فى الليلة الحادية بعد الألف ، إلا و قد أنجبت شهرزاد ثلاثة أولاد من شهريارالذى تحول بالكلية و أدرك فساد الاعتقاد الذى كان واقعا فيه ، فعفا عن شهرزاد من كل شىء يضرها ، و كافأها على أنها خلصته من حمأة اعتقاده ، و كانت سببا فى توبته عن قتل بنات الناس .
فشهرزاد هي صانعة الحكايات التى تكتب بماء الذهب و تحفظ في خزائن الملوك كالجواهر ، أو تدون فى السجلات لأجل أن يطلع عليها الخلف فيعرف أخبار السلف ، أو يسعى إليها الساعون فى البلدان المختلفة ، لينسخوها بأدق ما يستطيعون ، كى يعودوا بها هدية إلى ملوكهم الذين يحفظونها فى خزائنهم ، ليطالعها من يبحث عن الحكمة المتجددة فى الزمان و المكان .
هذه الحكمة المتجددة هى حكمة الكتابة التي تصل الماضى بالحاضر ، و العرب بالعجم ، و المسلم بغير المسلم ، فتهدم حواجز العرق و الجنس و اللسان و العقيدة ، و تجمع من التدابير العجيبة و العلوم الغريبة و التجارب الحكيمة ما يصل القرون الماضية و الأمم البائدة بالقرون الحالية و الأمم الآتية ، مؤصلة فى الإنسان انتماءه إلى المعمورة الإنسانية كلها فى أحلامها و أشواقها ، مؤكدة أن حاجة الغائب موصولة بحاجة الشاهد ، لاحتياج الأدنى إلى معرفة الأقصى ، و احتياج الأقصى إلى معرفة الأدنى ، فذلك هو طبع البشرية و فطرة الإنسانية التى تؤكدها أمثولة شهرزاد فيما تؤكده من دلالات .
--------------------------------------------------------
منقول من كتاب .. نقد ثقافة التخلف .. لدكتور جابر عصفور
فيخرج كائنا جديدا ، متوهجا بالمعرفة ، متوجا بالحكمة ، بعد أن عانى طقس التحول الذى عاناه غيره من أبطال الحكايات التى يسمعها ، فينتقل من صورة الفحل إلى صورة الإنسان ، و من شهوة الغريزة المفضية إلى الموت إلى متعة الجنس الذى يؤدى إلى الحياة فى تواصلها الخلاق ، و آية ذلك أن الحكى لا ينتهى ، فى الليلة الحادية بعد الألف ، إلا و قد أنجبت شهرزاد ثلاثة أولاد من شهريارالذى تحول بالكلية و أدرك فساد الاعتقاد الذى كان واقعا فيه ، فعفا عن شهرزاد من كل شىء يضرها ، و كافأها على أنها خلصته من حمأة اعتقاده ، و كانت سببا فى توبته عن قتل بنات الناس .
فشهرزاد هي صانعة الحكايات التى تكتب بماء الذهب و تحفظ في خزائن الملوك كالجواهر ، أو تدون فى السجلات لأجل أن يطلع عليها الخلف فيعرف أخبار السلف ، أو يسعى إليها الساعون فى البلدان المختلفة ، لينسخوها بأدق ما يستطيعون ، كى يعودوا بها هدية إلى ملوكهم الذين يحفظونها فى خزائنهم ، ليطالعها من يبحث عن الحكمة المتجددة فى الزمان و المكان .
هذه الحكمة المتجددة هى حكمة الكتابة التي تصل الماضى بالحاضر ، و العرب بالعجم ، و المسلم بغير المسلم ، فتهدم حواجز العرق و الجنس و اللسان و العقيدة ، و تجمع من التدابير العجيبة و العلوم الغريبة و التجارب الحكيمة ما يصل القرون الماضية و الأمم البائدة بالقرون الحالية و الأمم الآتية ، مؤصلة فى الإنسان انتماءه إلى المعمورة الإنسانية كلها فى أحلامها و أشواقها ، مؤكدة أن حاجة الغائب موصولة بحاجة الشاهد ، لاحتياج الأدنى إلى معرفة الأقصى ، و احتياج الأقصى إلى معرفة الأدنى ، فذلك هو طبع البشرية و فطرة الإنسانية التى تؤكدها أمثولة شهرزاد فيما تؤكده من دلالات .
--------------------------------------------------------
منقول من كتاب .. نقد ثقافة التخلف .. لدكتور جابر عصفور
No comments:
Post a Comment