01 December 2010

الفرق بين مصر وأمريكا في الجزمة دي


وصلتني عبر البريد الإلكتروني مجموعة من الصور.. وهي في الحقيقة صور لا تبحث عن تعليق.. لسبب بسيط هو أنها تشرح نفسها بنفسها، صور تعبّر ببساطة عن الفرق بين دول العالم الثالث ودولة مثل أمريكا.. دول يحكمها أباطرة وقياصرة وفراعنة، ودولة يحكمها رجل.. مجرد رجل نصيبه من القرارات في الحكم أقل كثيرا من أمين تنظيم الحزب الوطني في مصر..

حتى عندما يذهبون إلى بيت الله يقف الخادم ليحمل الحذاء، فإذا انتهى السيد أمين تنظيم الحزب من الوقوف خاشعا ذليلا خاضعا بين يدي الله، وهمّ بالخروج جاءه الخدم؛ ليسندوه على باب المسجد خشية الوقوع، ويلبسوه حذاءه الأنيق.. تماما كما كان يفعل بعض الباشوات والملوك القدامى..

فما هو نصيب الخادم من الصلاة إذن؟


الخادم كما تشاهدون في الجاليري يقف بين المصلّين حاملا "جزمة" أحمد عز، وكأنه يحمل عهدة حكومية يخشى ضياعها، وتكاد يده تمسك بها وكـأنه نال عظيم الشرف والكرامة..

ثم ها هو السيد أمين التنظيم يتكئ على ظهره ليلبسها؛ تعبيرا منه عن الود الذي يكنّه لمن يُلبسه حذاءه.. منتهى التواضع والرحمة..


وهكذا ظل كثير من المصريين يرسّخون العبودية في أنفسهم لكل من اقترب من كرسي الحكم، ويطمعون في أن يقتربوا منه ولو بحمل حذائه..

وبنظرة واحدة في الجاليري المرفق بالمقال ترى كيف أنه من قديم، والمواطن المصري البسيط المقهور لا يدري كيف يرفع راسه أمام أصحاب السلطة والصولجان ليقول لهم لا.


أما الصورة الأخرى فهي لرئيس أكبر دولة في العالم..

صورة للرجل الذي يتحكم في قنابل نووية تكفي لفناء العالم عدة مرات..

رجل بسيط يدخل مسجد السلطان حسن في أثناء زيارته لمصر، ولمن يدقق النظر سوف لا يجد جواره أحدا..

هو يخلع حذاءه.. ثم هو يضعه في مكانه لا يحمله عنه أحد، ثم هو في النهاية يرتدي حذاءه بنفسه لا يساعده أحد..

ولو حمل عنه أحد حذاءه بدافع الحب لصارت كارثة تتناقلها وسائل الإعلام.. ولساءله الأمريكان من الذي باع لك هذا الخادم يا أوباما.. ولحاسبوه على تكبره، وربما أجلسوه في بيته؛ عقابا له..


نحن هنا لا نقول بأن الشعب الأمريكي أعرق ولا أروع من الشعب المصري، إنما نقول إن ثمة فرقا بين شعب ترسّخت في نفسه العبودية، وبين شعب يشعر أن الحاكم وحكومته في خدمته، وأن رواتبهم جميعا يأخذونها من دافعي الضرائب..

نحن أولى بالكرامة، نحن أولى بالعزة الحقيقية، والله أخبرنا أن العزة لله جميعا، فإذا أراد عبدٌ العزة فليأخذها من مالكها الوحيد: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.. أما غير ذلك فهو الكبر والفرعنة..

الغريب والمدهش أنك تأتي بعد ذلك لتجد من يقول بأن الانتخابات مزورة، أو أن الحزب الوطني أصبح هو المالك الوحيد للبرلمان..


أو أن البرلمان المصري صار بلا معارضة ولا من يقول "لا".. ولن تجد بعد ذلك إلا "نعم".. و"نعم" من القلب والعقل والروح والبنك الذي يحمل الرصيد!!


ولكن العجيب والمدهش والمبهر في هذا الشعب العظيم رغم ما فيه؛ هو أن الشعب المصري قادر على فعل كل شيء وأي شيء، قادر على مواجهة الجيوش الجرارة، وتحطيم أعتى الموانع المائية، وتجاوز حقول الألغام، والنصر على العدو مهما كان تجبره وجبروته وعتاده..

قادر على مواجهة الجوع والفقر والمرض.. قادر على مواجهة كل الصعاب، لكن الشيء الوحيد الذي لم يعرفه طوال حياته هو مواجهة حكومته التي أذاقته الهوان..

فإن بدت اليوم قدم أحمد عز في مصر أقوى وأرسخ من قدم أوباما في أمريكا، فالتاريخ يثبت أن من يحملون الأحذية من المنافقين والمتزلفين والمتسلقين مصيرهم إلى زوال، و"الجزمة" التي يحملونها بأيديهم ستقع على رؤوسهم في يوم من الأيام..


أما أصحاب الأحذية الأنيقة، والمرسِّخون للعبودية لمن حولهم، فلن يكون مصيرهم بأفضل من سابقيهم من الفراعنة المتجبرين.. وسيأتي اليوم الذي يرحلون فيه عن مصر وشعبها الأصيل غير مأسوف عليهم مضروبين بالـ.....

منقول من موقع بص و طل

27 November 2010

زوموا .. زوموا


من المؤكد أن الشخص المجهول الذي كان أول من طرح الفكرة لم تخطر على باله أبداً النتائج المدهشة التي أحدثتها ,ولابد أن الفكرة تبلورت عنده مع تبلور حقيقة واضحة وضوح الشمس الحارة أمام الجميع : إن ديناصورات الحكم المعتّق لن يتركوا كراسيهم أبداً إلا إلى القبر , قبرهم أو قبر البلاد .



فبعد ثلث قرن من الاستفراد بالأرض والناس تراكمت ملفاتهم السوداء التي يرعبهم أن يذهبوا عن الحكم ويأتي بعدهم من يفتحها . لم يعد هناك شكٌ في أنهم قرروا البقاء حتى الموت . والموت لكل من يحاول إزاحتهم عن كراسيهم .معهم القوة والأموال والأبواق والبلطجة وأصحاب المنافع والمغانم وحيل الأفاقين التي لا تنتهي . وحتى يسبغوا شرعية زائفة زائفة على استمرارهم أمام المراقبة الدولية اصطنعوا شروطاً فاسدة عبر استفتاء كاذب لإجراء انتخابات تبدوا حرة أمام العالم بينما هي مزيفة من جذورها لأنها لا تسمح إلا بوجود منافسين هزليين لمواجهتهم ثم إنهم أظهروا أنيابهم ومخالبهم وبذاءاتهم لكل من جرؤ على الاعتراض على الانتخابات المهزلة التي اقترب موعدها ولعل هذا ما جعل الفكرة تخرج من الرأس أو الرؤوس العجيبة التي ابتدعتها .



في صباح باكر من صباحات الصيف الرطبة الساخنة ظهرت الكلمة على بعض الحيطان وأعمدة النور . مكتوبة بالطباشير بخط بسيط مرتبك يكاد لا يلفت نظر أحد. كلمة واحدة : " زوموا " . وفي الصباح الباكر التالي ازدار انتشار الكلمة على الحيطان بخط أكبر وبألوان عديدة وضح أنها ببخاخات الطلء سريع الجفاف : زوموا زوموا . . زوموا . . زوموا

لفتت الكلمة أنظار الناس وبدأوا يتساءلون باستغراب عن معنى ذلك ! وجاءت الإجابة في الأيام التالية في رسائل مختصرة على شاشات مئات الهواتف النقالة :" عبروا عن اعتراضكم يوم الانتخابات بأن تزوموا " ثم ظهرت على بعض مواقع الانترنت وفي رسائل البريد الإلكتروني التي يصعب تحديد مصادرها نداءات مستفيضة تحت عنوان " زوموا " تطالب المعترضين على تلك الانتخابات الهزلية الملفقة بأن يزوموا . . مجرد أن يزوموا . . يعلنون رفضهم بطريقة لن تكلفهم شيئاً ولن تعرضهم لأي خطر من السلطات أو أتباعها من البلطجية . . فالزومان لا يتطلب حتى أن يفتح الإنسان فمه فتحة صغيرة . . إنه مجرد صوت يحدثه الإنسان وفمه مغلق , بل يمكنه إحداثه وهو يرسم على وجهه ملامح ابتسامة أو استكانة أو جدية أو لامبالاة . صوت ممدود يتذبذب في الحلق ويتردد عبر الجمجمة والعنق وينتقل إلى الهواء وينتشر " م م م م م م م م م م . . أو ن ن ن ن ن ن ن ن . بأي صوت زوموا . . زوموا ولا تخافوا . زوموا في الساعة الواحدة ظهر ذلك اليوم المنكود . فلا يُعقل أن يمدوا أياديهم الشرسة ليضبطوا ذبذبات الزومان في أعناقكم أو رؤوسكم وإن فعلوا فيكفي أن تسكتوا عن الزومان حتى تبتعد أصابعهم الوسخة عنكم لتعاودوا الزومان . " زوموا " .



زوموا …



انتشرت الكلمة على امتداد مليون كيلو متر ربع هي مساحة البلاد من البحر إلى النهر ومن النهر إلى الصحراء . شاعت بين ثمانين مليون نسمة هم مجمل سكان البلاد تبعاً لآخر الإحصاءات الرسمية . صارت الكلمة مفعمة بالجد والضحك واللعب والإثارة والترقب المدهش . أخذ الأولاد يكتبونها في قصاصات وينثرونها خلسة من النوافذ والشرفات . وصار الناس يتبادلونها همساً باسماً أو جهراً ضاحكاً عندما يلتقون أو وهم يفترقون . وكأنها صارت بديلاً لكلمات السلام والوداع . بل صارت دندنات في أغنيات عابثة تنغرس فيها الكلمة بدلاً من بعض كلمات الأغنية الأصلية . مثل : " زوموا زوموا زوموا / دا الفيل مربوط من خرطومو " .



لكن اقتراب يوم الانتخابات كان يزيد من شعور الناس بتوتر مكتوم وإثارة متخوفة .

أتت الساعة الواحدة ظهر يوم الانتخابات . أتت في صمت مطبق يمكن أن تسمع فيه صوت الأنفاس في الصدور . كان واضحاً ان البلاد كلها تصيخ أسماعها . . حتى أفراد قوات الأمن الذين انتشروا بكثافة في الشوارع والميادين ومداخل المدن وأطراف الجسور بزيهم الأسود المقبض وهراواتهم المطاطية الثقيلة كانوا يصيخون . أما البلطجية وأرباب السوابق الذين اعتاد ديناصورات الحكم أن يستعينوا بهم لردع وترويع كل من يجرؤ على إعلان اعتراضه فلم يظهر عليهم أدنى اهتمام بالأمر . ولم يكن أفراد المراقبة الدولية لحرية الانتخابات مدركين لهذا الصمت المريب الذي ظنوه من طبائع الأمور , سجلوا في دفاتر ملاحظاتهم أن الإقبال ضئيل للغاية فلم تزد نسبة المترددين على مكاتب الاقتراع التي زاروها عن ربع في المائة حتى منتصف النهار " لكن الإدلاء بالأصوات كان يتم في هدوء شديد ودون مخالفات تُذكر " .



وضح أن معظم الناس لم يغادروا بيوتهم . وكان كثيرون منهم يطلون من الشرفات والنوافذ في ترقب هاديء أقرب إلى الوداعة . ثم . . بدأ الصوت يولد من غياهب الصمت في تمام الساعة الواحدة وثلاث دقائق على وجه التحديد . صوت زومان غائم النبرات , زومان خافت وخفي أخذ يتضح ويشتد في نحو الواحدة وخمس دقائق . وفي الساعة الواحدة وعشر دقائق انفجرت الحياة التي كانت ساكنة في العاصمة . . في البلاد كلها . .. تضج بالزومان . .



في العاصمة التي يسكنها خمسة وعشرون مليوناً من البشر تطورت تفاعلات الزومان بشكل مذهل فالحركة توقفت تماماً . سكنت السيارات القليلة في الطرقات ونزل راكبوها يتابعوت كتلة الزومان الهائلة المنبعثة من كل مكان ولا مكان . عشرون مليونا كانوا يزومون في العاصمة وحدها . عشرون مليوناً على الأقل بعد استبعاد الرُضّع والصم والبكم والمحتضرين وديناصورات الحكم قطعاً وأذنابهم , وكان أفراد الأمن والضباط الصغار الذين حشدتهم أوامر الديناصورات في الشوارع منذ الفجر يبتسمون في شماتة واضحة . بل كان أغلبهم ينخرط سراً في الزومان . اما البلطجية وأرباب السوابق الذين تمت برمجتهم لمهمة واحدة هي الترويع الجسدي للمعارضة فلم يفهموا ما يحدث , بل رأوا في هذا الزومان الجماعي لعبة طريفة لم يفتهم أن يدخلوا فيها على طريقتهم فانفتحت أفواههم مع أذرعهم في جعير طويل سرعان ما تم بتره . هاج فيهم البلطجية الأكبر ذوو البدلات الكاملة والنظارات وأربطة العنق . أمروهم بعصبية أن يتوقفوا عن هذا الجعير فوراً لأنهم حمير لا يفهمون شيئاً . هم فقط والأكبر منهم والأكبر من الأكبر منهم كانوا يفهمون معنى زومان مدينة كاملة . . بلد بحاله . . في وجود مراقبين دوليين و محطات تيلفزيون عالمية و مراسلين أجانب لكن الظاهرة تجاوزت فهمهم وحدود توقعاتهم وتوقعات الجميع عندما بدأت الظاهرة تتجاوز نفسها بشكل مذهل . . شكل يتجلى في مشاهد مذهلة أمام العيون . . .



في الساعة الواحدة وخمس وعشرين دقيقة كانت العاصمة المشتعلة بزومان الملايين تبدو كأنها دينامو جبار لتوليد موجات كاسحة من ذبذبات غير مرئية . وبدأ بعض أفراد الأمن والضباط الصغار الواقفون في عراء الشوارع يصابون بإعياء غامض ودوار ونوبات قيء جماعي . وكان المارة العاديون يهرولون مترنحين حاشرين أطراف سباباتهم في ثقوب آذانهم . وهناك من كانوا يهوون إلى الأرض ويتمرغون في ألم وذعر . لم تستمر ظاهرة الأعراض الجسدية الغريبة هذه غير خمس أو سبع دقائق تلاشت بعدها تماماً ثم بدأت ظاهرة خارقة تتجلى واضحة أمام الأبصار المذهولة : كانت الألوان تزول . . ألوان الملابس . . السيارات . . أعمدة النور . . الحيطان المدهونة . . لافتات التأييد لاستمرار السلطة . . يافطات المحال والدكاكين . كل الألوان المضافة كانت تختفي ولا تبقى غير تلك التي في أصل الأشياء . و كأن ذبذبات زومان الملايين صارت عاصفة من نوع غريب تجتاح كل شيء وتزيل المضاف إليه من ألوان . قيل إنها موجات فوق صوتية جاءت نتاجاً ثانوياً لذبذبات صوت الزومان الأصلي وهو يعبر اللحم والعظام وينتقل إلى الهواء . وقيل بل موجات تحت صوتية تولدت بنفس الطريقة غير المقصودة . وأخذ الناس يذكرون ما يعرفونه في الواقع أو قرؤوا عنه أو سمعوه أو رأوه في برامج التلفزيون .. مدافع الموجات الصوتية التي تشتت التجمعات أو تقتل بلا جراح . والغسالات التي أعلن اليابانيون عن اختراعها وهي تنظف بالموجات الصوتية وحدها دون ماء ولا مسحوق غسيل . والأجسام التي يمكن رفعها في الهواء وتحريكها في أي اتجاه بطاقة الموجات الصوتية وحدها . ثم هناك الموجات الصوتية التي تكشف الجنين في بطن أمه وتلك التي تحطم الحصوات في الكلى . أما ما تولّد عن الزومان من موجات تحت صوتية أو فوق صوتية أو خليط من الاثنين فهو اختلاف في الآراء لم يصمد أمام حقيقة واحدة مرئية واضحة كانت تتجلى أمام العيون المبهورة " كل الألوان تزول وتعود الأشياء إلى طبيعتها الأصلية .. الأقمشة تتحول إلى بيضاء رمادية .. أعمدة النور بنية بلون صدأ الحديد . اللافتات عارية بلا كلمات .. يافطات المحال بلون الأبلكاش أو القصدير .. والحيطان بلون الأسمنت والرمل أو الطوب إلا إذا كانت مكسوة بالرخام أو الجرانيت أو الحجر .

غلب اللون الرمادي على كل شيء فلم يعد هناك لون واضح البقاء إلا في خضرة الشجر وزرقة السماء الفسيحة وما تعكسه على صفحة النهر . مشهد أخذ يتسع ويتأكد ويجعل العيون تجحظ والأفواه تنفتح . لكن الزومان لم ينقطع كأنما بقوة الدفع الذاتي أو بفقدان الملايين إمكانية السيطرة على أحبالهم الصوتية التي استمرأت الاهتزاز . وكان ديناصورات الحكم المعتق يتداعون لاجتماع عاجل في قصر القيادة .

لم تسلم قلعة الحكم من مصير كل شيء في العاصمة في تلك الساعة الخارقة من ساعات النهار . زحف اللون الرمادي زحفاً كاسحاً على ثياب جنود وضباط الحرس القيادي . الزي الكحلي المهيب لم يعد كحلياً والبيريهات الحمراء بلون الدم لم تعد حمراء . بهتت ألوان الخيوط الحريرية اللامعة التي كانت تطرز البادجات على الصدور والأكمام . واستحالت ذهبية النجوم و النسور والسيوف المتقاطعة لرتب الضباط إلى لون الصفيح الكالح . وكانت هناك صعوبة في التعرف على سيارات المرسيدس الرسمية التي أخذت تتوافد بسرعة . تلاشى دهانها الأسود اللامع وصارت مطفأة بلون الصاج القاتم . أما الديناصورات الذين أخذوا يترجلون من السيارات فقد بدوا أثقل وأسمج وأكثر ترهلاً بأجسامهم المتورمة أو المتيبسة في البدل والقمصان وربطات العنق التي وحد بينها اللون الرمادي المغبر بعد زوال ألوانها وأفدح ما أصاب هؤلاء الديناصورات من تغيير كان انكشاف رؤوسهم وحواجبهم وشواربهم عن شعث أبيض لا جلال فيه بعد تبخر صبغات الشعر التي كانوا يستوردونها من أغلى الأنواع في العالم . بدوا أشباحاً مسنة غليظة تخرج من المجهول وهي تصعد الدرج الرخامي الفسيح باتجاه قاعة اجتماعات القيادة . وكان جنود الحرس والضباط الصغار الذين لم يفقدوا غير ألوان ملابسهم يبذلون جهداً كبيراً لكتم ضحكاتهم لكن قهقهات ضاغطة لم تستطع إلا أن تنفلت . ولم يملك بعض الديناصورات الذين انفجرت في وجوههم القهقهات إلا أن ينظروا بذعر إلى الوجوه الشابة التي تضحك . ذعر لم يعرفوه أبداً لأنهم كانوا هم من يفرضه على الآخرين منذ نصف ساعة .. لا أكثر . التأم مجلس الديناصورات الحاكم في القاعة المدججة بأحدث موانع التنصت والمواد العازلة للصوت والمضادة للقذائف . لكن الزومان المستمر اشتعاله في البلاد كان يتسلل إليهم وإن بدرجة أقل . تهالكوا بشعورهم البيضاء المطفأة على رؤوسهم وفوق حواجبهم وتحت أنوفهم في المقاعد التي زالت ألوانها حول المائدة المستديرة التي كانت مشهداً يومياً من مشاهد السلطة الراسخة على شاشات التيلفزيون الرسمي والجرائد التابعة . لكنها هي أيضاً تهالكت بزوال طلاء الجليز العسلي اللامع الفاخر عن سطحها بدت عارية بلون الخشب العاري بينما تنهال على محيطها مرافق وسواعد وأكف الديناصورات الشائخة .



كانوا يترامقون في استغراب وكره دفين . كل منهم لا يرى أمامه إلا حفنة من عواجيز أوغاد يعرف خباياهم و رزاياهم ويتناسى نفسه . كل منهم لا يرى فيمن يرمقه غير شيخ آثم لم يكف عن التصابي وهو يلتهم حقوقاً ليست له ويبتذل سلطات لم يصنها ويخون أمانات لم يحفظها . واندهش بعضهم وهو يكتشف تغير لون عيون البعض الذين لابد أنهم كانوا يركبون عدسات ملونة انمحت ألوانها . اختفت الحمرة التي كانت تضج في وجوه البعض منهم ولابد أنها كانت بتأثير مكياج ثابت أو مؤقت . ويبدو أن موجات الصوت التي أزالت الألوان لم تكتف بإزالة صبغات شعرهم وحمرة مكياجهم بل حركت حشوات البوتكس المحقونة في وجوههم لإخفاء الغضون والتجاعيد فصارت الحشوات كلاكيع وعادت التجاعيد والغضون وإن بتنافر هزلي . كل منهم كان يرى في الآخر كذاباً ويبرر تاريخ كذبه الشخصي بضرورة مجاراة الكذب العام الذي صنعه الآخرون . يستشعرون في شيخوختهم التي انكشفت فجأة أنهم تورطوا في مستنقع . ويشعر كل منهم بأن الآخرين ورطوه في ذلك وما هو إلا حمل غررت به الذئاب .

نصف ساعة مرت في القاعة الرمادية وتحت السقف المتذبذب بزومان الملايين ولم ينطق أحدهم بكلمة . كان بعضهم يفتح فمه ليتفوه بشيء لكن فمته المفتوح يظل يظل معلقاً في صمته الفارغ قبل أن يعود إلى الانغلاق . ويبدو أن قادة الحرس الذين كان مسموحاً لهم بدخول القاعة والخروج منها نقلوا إلى زملائهم في الخارج ما يحدث في الداخل . أخذت نوافذ القاعة تمتليء بالوجوه الشابة المطلة من وراء الزجاج المانع للصوت والمضاد للرصاص . كانوا يتأملون سكون الديناصورات التي وطأها الشيب بغتة وأصابها الخرس والجمود . ثم بدا أن هذه الوجوه الشابة في الخارج تضحك . بل تقهقه لأن صوت قهقهاتها زاد وفاض والتف ودار ليتسلل إلى داخل القاعة من ثقوب مفاتيح الأبواب و ثغرات نوافذ التهوية . قهقهات عارمة من صدور قوية مدربة على الفتك راحت تغمر حفنة الديناصورات الذين تولاهم الرعب . أخذت عيون الديناصورات الكليلة تتأرجح في محاجرها وكل منهم يلوذ بأطلال الآخرين وهو يدرك يقيناً أن لا فائدة . . . لا فائدة .



لا أحد يعرف متى توقف الزومان بالضبط لأنه تواصل خلال الليل وإن في خفوت . ولا أحد يعرف كيف نامت البلاد هذه الليلة . لكن الناس استيقظوا من نومهم المرهق مبكرين . كأنما أيقظهم منبه داخلي ملأه الفضول لمعرفة ماذا حدث وماذا سيحدث .

اختفى ديناصورات الحكم بشكل غامض . لم يُعثر لأي منهم على أثر في صباح البلاد التي استيقظت على عالم جديد لا ألوان فيه غير أخضر الشجر وأزرق السماء . وكان لابد من تلوين الحياة من جديد … نشط النقاشون والخطاطون والرسامون والصباغون في كل الأماكن . كانوا يعيدون إنطاق الواجهات والسجاجيد وفرش البيوت والسيارات ولعب الأطفال والملابس .. وعلم البلاد . . بألوان جديدة .





- - - - -
كتبها الأديب الرائع محمد المخزنجي

22 November 2010

يا عم سيبك


مِسعِد: شفت يا عم اللي حصل لحمدي قنديل.
وقفوا البرنامج بتاعة على التلفزيون. الواحد معدشي عارف هايعملوا ايه في البلد دي

صاحب مِسعِد: يا عم انت بتصدق هو لو ماكنشي كل اللي كان بيقوله ده بموافقتهم ماكنوش خلوه يقوله اصلا...وبعدين انت تعرف حمدي قنديل ده متجوز مين ...نجلاء فتحي الممثله, يعني لو كان راجل بجد كان حكم مراته الاول.
يا عم سيبك دول كلهم عالم ولاد كلب معرصين ماعدا انا وانت

....بعد كام سنه

مِسعِد: شفت يا عم اللي حصل لوائل الابراشي ...محاولينه للمحاكمة, لو فضلوا ساكتين الصحفيين كلهم هايروحوا السجن بالمنظر ده

صاحب مِسعِد:يا عم انت بتصدق هو لو ماكنشي كل اللي كان بيقوله ده بموافقتهم ماكنوش خلوه يقوله اصلا... وبعدين هايعملوله ايه بشعر امه الواقف ده.
يا عم سيبك دول كلهم عالم ولاد كلب معرصين ماعدا انا وانت

بعد كام شهر

مِسعِد: شفت اللي حصل لعمرو اديب قفلوله المحطة بتاعته كلها الواحد لازم يتحرك ويعمل اي حاجه في ام البلد دي

صاحب مِسعِد: يا عم انت بتصدق هو لو ماكنشي كل اللي كان بيقوله ده بموافقتهم ماكنوش خلوه يقوله اصلا...وبعدين كفاية صلعته البهية, ده اصلا بضين و اخوه طول عمره بتاع الريس.
يا عم سيبك دول كلهم عالم ولاد كلب معرصين ماعدا انا وانت

و بعد كام اسبوع:

مِسعِد: شفت اللي عملوه مع ابراهيم عيسى, شالوه من الدستور. احا المرادي انا كنت ناوي انزل الوقفه اللي معموله علشانه بس كانوا عاملينها الصبح بدري قوي

صاحب مِسعِد: يا عم انت بتصدق هو لو ماكنشي كل اللي كان بيقوله ده بموافقتهم ماكنوش خلوه يقوله اصلا...انت متعرفشي انه شيعي اصلا و بعدين انت مشفتش الهلس اللي كان عامله في رمضان.
يا عم سيبك دول كلهم عالم ولاد كلب منافقين ماعدا انا وانت

و بعد كام يوم

صاحب صاحب مِسعِد: الحق اللي حصل لصاحبك يا مِسعِد ولاد الكلب بتوع المرافق كبسوا عليه و لمو كل الفاكهة اللي عنده و لما حاول يهرب بكام قفص تفاح مسكوه و شدوه على القسم. ماتيجي معايا نضمنه علشان يخرج.

مِسعِد: يا ولاد الوسخة.....بس هو انت هاتروح تضمنه بجد؟ دا ابن متناكه! انت عارف انه عمر ما حد مننا سلم من لسانه الوسخ
يا عم سيبك الناس كلها بقت ولاد كلب معرصين ماعدا انا و آآآ ...وانت.

================
كتبها طارق نوارة .. مدونة  يحكى أن